بقلم - ناصر الظاهري
لا أعرف لمَ الفجر مرتبط دوماً عندي بإطلالة وجه ذاك القائد، طيّب الله ثراه؟ ولا أتذكر أنني جلت في مدينتي باكراً إلا وكان يسبقني في الأمكنة بظله البارد، هناك حيث العمال في غبشتهم، وحيث العجلة تدور، توقظ البحر ليدرك انحساره، ولا تجعل الرمل متمدداً بتصحره، فالمكان ما زال يصطبغ بهالة ذلك الرجل، وبقامته المديدة، وبضحكته التي تبرّد القلوب، وتجعل للفرح ميداناً أخضر، وتعطي للحياة لوناً أبهج وأنضر، كان العمل هو أول من حمل مصباح بشارته، تذكرته بحزن دفين، تهيأ لي بثوبه الأبيض الخفيف هناك أو كأنني لمحت آثار عجلات سيارته بمرافقيه القليلين هناك أو وهو يشير بعصاه نحو أفق حلمه، ومبتغى إدراكه، والذين حوله لا يجارونه، لا في مشيه، ولا في امتداد حلمه، لمَ الفجر دوماً يذكّرنا بالخيرين، وبالناس الطيبين؟ لمَ العظماء والعزيزون على القلب لا يبرحوننا في غيابهم؟ هل لأنهم قُدّوا من إحسان وطيب أم لأن كل الموجودات تضرع لهم بالدعاء؟ الشجرة المروية بخضرتها، والنخلة التي لا تخاف أن يرهقها العطش، والطير الذي يتفيأ ظله، والإنسان الذي أمنّ أهله، وأمن على نفسه، البعيد والقريب الذي جاءه حقه، ورفع عنه ظلمه، هم موجودون ما وجد الخير، وسادت الرحمة.
فجر الأمس، وحين توحد بي الحزن، ذهبت في فجر مدينتي، لأنه القادر على أن يفتح نوافذ القلب، والقادر على أن يدمع العين دون أن يجرح محجرها، فتراءى لي، وكأنه أخذ صَبَاحة المدينة لتوه، وسار يجول في أطرافها، ويُصبّح على سكانها، يسايره النسيم، ورفرفة العلم في مقدمة سيارته، ويطيب حدو قصيده، ونشيد صدره فخراً بوطن نحت من أجله الصخر، وحرث لبيرقه البحر.
من أجل كل شيء جميل في بلادي، ومن أجل تلك الراية التي لم تسع إلا في الخير، ولم تسلك إلا الخير، عوناً للصديق وسنداً للأخ، وخيراً عميماً ومغدقاً على الجميع ممن نتشارك معهم تلك الروح الإنسانية الغالية، بشارتنا التسامح، ورسالتنا المحبة، ومن أجل رئيسنا خليفة الخير، ولأخوانه نخوة الدار، محمد عن يمين، ومحمد عن شمال، هما سيف وغمد، عين تغفو، وعين تحرس، وهما أجنحة أحرار بها حلقنا بعيداً في العالم، وهما رواسي جبال بها ذهبنا عميقاً في الوطن، ولحكامنا أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد إخوان وأبناء المؤسسين الذين رفعوا علم دولتنا لأول مرة، هم عمادها وهم ذخرها وهم المرتجى من كل شيء والمؤمل في كل شيء، بهم ومعهم سيكون الغد أجمل، والوطن أكبر، والخطى المرسومة بختم زايد أسرع وأطول.
وإن كان الفضل ينقص إن لم ينسب لأهله، فلأم الإمارات.. أم محمد تاج الرأس.. كل الفضل والبركة، فعملها كثير، وبرها كثير، وخيرها كثير، كانت دوماً خير المعين، وخير الجليس والعضيد لذلك الرجل الكبير الذي كانت وصيته، وتمام حكمته، بأن يبقى علم الوطن عالياً وكبيراً، مرفرفاً وعزيزاً.