تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة وحقيبة سفر -2-

تذكرة وحقيبة سفر -2-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

زيارة متاحف السلاح والحروب في المدن المختلفة بقدر ما تمنحك ثقافة ومعرفة، بقدر ما تؤثر في نفسيتك بطاقتها السلبية، مثل متحف التاريخ العسكري في فيينا، وفيه مختلف الأسلحة التي مرت على النمسا، خاصة الأسلحة العثمانية خلال احتلالها، ومستودع الكرملين في موسكو، ومتحف بريطانيا، ومتحف الحرب الإمبراطوري في لندن، ولعل نفوس الكازاخ تتذكر ما تلقوه من القمع السياسي، مجسداً في النصب الفضي المسمى «قوس الحزن» الذي بني تخليداً لذكرى النساء البائسات في معسكرات التعذيب «كولاغ»، وخاصة المعسكر الرهيب «الجير» الذي قتلت فيه ثمانية آلاف امرأة في الحقبة الستالينية، لكنني توقفت طويلاً أمام متحف نيودلهي للأسلحة، وتاريخ الحديد الذي صنعه الإنسان خلال مسيرة تاريخه، خاصة ذلك الركن الزجاجي الذي يحمي أدوات الفتك، والأسلحة من خناجر وسيوف ورماح ومعدات قاطعة، وأخرى باقرة، وغيرها قاتلة بفجور أو طاحنة أو ماشطة، وطرأت عليّ أسئلة كثيرة، ومتراكمة، بشأن فكرة تطوير أدوات القتل عند الإنسان منذ أن خلق، بدءاً من صد الحيوان الافتراضي المهاجم أو العدو المحتمل إلى فكرة الصيد، وجلب ما يقويه على الحياة، إلى تطور فكرة التملك عنده، وحب السيطرة وبسط القوة وإظهارها والتعدي على ما عند الغير، بما فيها روحه وجسده وأرضه، لقد طور الإنسان أدوات القتل والفتك من ما وفرته الطبيعة له من خشب الشجر أو الحجارة إلى المعادن، وحين عرف الحديد تسيد وتجبر، وجعل لكل سلاح غاية، فمن يسد الخنجر في قتله، لا يستعمل له الرمح، وما يقتضي فعل السيف لا يجب أن يطلق عليه سهمٌ، في تلك الخزانة الزجاجية السميكة، وفي غيرها في المتاحف الأخرى، والتي انثالت على الذاكرة في تلك الساعة، ثمة سلاح مستفز تجد له أسناناً قاطعة، وآخر في نهايته فرعان ماضيان ينجزان المهمة بسرعة وتأكيد، بعض من تلك الأسلحة الحديدية المصقولة والمطروقة فيه عدوانية وشر مستطير يشبه جلد القنفذ وآخر يتلوي كحركة الأفعى، وله صوت وسوط من عذاب، بعض تلك الأسلحة فيها فجور، وقتل لا يرحم، فتجد السيف مثلاً حادّاً من الطرفين، وبشكل متموج، وفيه إمعان في الطول، وقتل عن بعد دون شفقة، بحيث لا تلتقي عينا القاتل والمقتول في مساحة يمكن أن يتسرب لها التسامح والرحمة، فترق القلوب للقرب، وللغة العيون الصامتة، كان لبعضها كماشات، وأذرع منجلية تشبه أطراف سلطعون البحر، وبعضها يفتح ويفرش بمجرد أن ينغرز في اللحم الإنساني، مشكلاً عبثه وفتكه بالأعضاء الداخلية، بعضها من ثقله يمكن أن يطحن الجمجمة، بعضها معقوف بحيث يمكن أن يفتح البطن من الخاصرة للخاصرة، وبعضها يتعقب سلسلة الظهر، بحيث يقضي عليها خرزة، خرزة، بعض من تلك الأسلحة بشع، جشع إلى حد لا تخفي معه كرهك له، حتى لو لم يشهر في وجهك، أما أكثرها لؤماً فذلك السلاح القصير الذي لا تعرف كيف تواجهه، فأينما، وكيفما أتاك أوجعك، لا سلاح هناك يهدف لقتل رحيم أو قتل أنثوي مما يدس السم في الدسم أو العسل، فالحديد فيه بأس شديد، ولمضاته أنين الوجع الإنساني الدائم، والدم المقدس!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 18:59 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"حقيبة الأبط" تتربع على عرش موضة خريف وشتاء 2018

GMT 01:19 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

محمد رشاد ومي حلمي يتفقان على إتمام حفل الزفاف

GMT 20:07 2015 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

شركة "سامسونغ" تطلق غالاكسي في بلس" في ماليزيا

GMT 15:47 2014 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

شركة Xolo تطلق هاتفها الذكي متوسط المواصفات Opus 3

GMT 18:19 2013 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

ترجمة لکتاب صید الخروف البري لهاروکي موراکامي

GMT 10:07 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

استبعاد ياسمين صبري من مسلسل ظافر العابدين

GMT 12:50 2013 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

إعادة طبع رواية "التراس" في حلة جديدة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates