بقلم - ناصر الظاهري
كانت لدي عادة أو هواية منذ الصغر، لا أدري من أين تسربت لي؟ لكنها مع مضي الوقت غدت عادة محببة، ولم أتمكن من التخلص منها حتى عندما كبرت، ولا أدري أيضاً إن كان هناك أحد يشاركني تلك اللعبة السياسية الإعلامية، لكنني كنت فرحاً حين يحتار الأصدقاء ويتساءلون عن معلومة غائبة عنهم، وهي حاضرة عندي، يومها كنت شغوفاً بحفظ أسماء وزراء خارجية دول العالم، ونبذة من سيرهم الذاتية، ورغم شح المعلومات يومها إلا ما يبثه الراديو من نشرات إخبارية أو تعليقات سياسية، وكانت هيئة الإذاعة البريطانية بقسمها العربي هي المصدر والذاكرة لأسماء وزراء خارجية دول العالم، بعضهم كانت لهم أسماء صعبة غلقة، بعضهم كان لأسمائهم رنين وجرس موسيقيّ جميل، بعضها الآخر كانت مضحكة حين تلفظ بالعربية أو حتى تترجم، لم تكن كل الأسماء لها وزنها الثقيل، ودورها البارز، وذلك الصيت الذي يسبق ظله، ولأن الذاكرة الطفولية تظل طريّة طوال الوقت، أحاول أن أستدرجها، وأنتح منها بما كانت تحفظ وتجود، لعل أكثر وزير خارجية أيامها كان مشهوراً، ودائماً في قلب الأحداث، وزير خارجية الاتحاد السوفييتي «اندريه جروميكو» الذي بقي صامداً سنين طويلة في منصبه، قرابة 28 عاماً من 1957- 1985، لأنه كان يشكل مع رئيس الحزب الشيوعي، ورئيس الـ«كي جي بي» الثالوث الخطر والمؤثر في مجريات الأحداث العالمية، جاء بعده «ادوارد شيفردنادزه» و«يفيغيني بريماكوف»، في حين كان الأشهر أميركياً «هنري كيسنجر»، و«جيمس بيكر»، و«مادلين أولبرايت»، ونظراً لطبيعة النظام الأميركي فالوزير قلّما يبقى طويلاً في منصبه، وأحياناً يتسلم وزارة الخارجية وزير أو موظف عالي المنصب بشكل مؤقت، لكن هناك 6 من وزراء خارجية أميركا أصبحوا رؤساء، وفي دول الخليج كان هناك أربعة وزراء للخارجية لهم ذاك الصيت العربي والدولي، وعاصروا أحداثاً جساماً، وزير خارجية المملكة العربية السعودية «سعود الفيصل» ودولة الكويت «صباح الأحمد الصباح»، والإمارات «أحمد خليفة السويدي»، وسلطنة عُمان «يوسف بن علوي»، وكانت هناك شخصيتان وطنيتان من تونس، كنت أعدهما وزيري خارجية، لأنهما كانا دائماً مبعوثين للرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، هما «الباهي الأدغم»، و«الهادي نويره»، أما أشهر وزير خارجية جزائري فهو «عبدالعزيز بو تفليقه»، في مصر ربما يكون الأشهر هو «محمود رياض»، و«عمرو موسى»، أما فرنسا فلعل «آلان جوبيه» هو الأبرز، و«ميشيل دوبريه» لارتباطه بأحداث وليس لطول مدة منصبه، أما بريطانيا حيث دهاقنة السياسة، ودهاليز المكر والخداع، فأول وزير خارجية عرفناه «آرثر جيمس بلفور» دون أن نعرف اسمه كاملاً، فقد كفانا وعده، و«السير أليكس دوغلاس هيوم»، و«دوغلاس هيرد»، أما الجمهوريات الثورية مثل كوبا، فمنصب الرئيس يجمع ويحوي كل المناصب والباقون ممثلون له، ويرسلهم حسب الظروف واحتياجات المواقف. بعض الدول لا يبرز فيها وزير الخارجية مثلما يبرز في أماكن أخرى، حتى في بعض الأماكن يصبح هو الوجه غير الجميل لأي سياسة، في حين يختفي الوجه الحقيقي والمخطط والجميل متوارياً خلف وجه وزير الخارجية.