تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة وحقيبة سفر -2-

تذكرة وحقيبة سفر -2-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

ضمن عشق المسافات في المدن التاريخية، ومحاولة صحبة الشتاء فيها، وتقفي أثر المطر على طرقاتها، تظل تتضارب مع تلك المطرية، ومع خيالاتك الماطرة، خوف أن «تجدي» عين موظف مستعجل أو تسحب شعراً مستعاراً لم يثبّت بعناية على جبهة أيقظها المطر أو تشبك معك مظلات حريمية ملونة، مصنوعة للزينة، ولا تحتمل كثيراً من دبيب الازدحام، فتبدو بمشيتك المتخالفة تلك، كأنك لاعب منتخب كروي ودّع الملاعب منذ سنوات طويلة دون أي إنجاز يذكر، كنت دوماً على خط متواز مع تلك المطرية التي ما حملتها يوماً وهطل المطر، ولا تركتها وحدها في جحرها قرب الباب، وعجزت عن حملها، إلا ودنّ الرعد وانهمر الغيث!
من مشكلاتي مع المطر في المدن الأوروبية غير المظلة، ما أنتعله، فحبي للامع منها، وذات الجلد الطري، يجعلني أنتقي للمداس أو الحذاء أماكن لم يغمرها الماء، فأبدو وأنا أتقافز من غُبّة إلى أخرى مثل راقص باليه سمين، نسي كل الدروس، وترك الاستقامة، أما حين نكون في الإمارات، وينزل المطر يصبح الواحد منا أشبه بطائر البطريق، يد على الرأس تحمي العقال، لأن العقال إن لان، لا يمكن أن يعود لصلابته الأولى، ويد ترفع الكندورة لئلا تسحب على الأرض الموحلة، وهذاك سير الواحد، دون أن يلتفت لأحد!
للمطر ومصادفته وصداقته في المدن التي نحب، هناك حكايات عند كل منا تروى، فجميل إن باغتك في مقهى، وأنت تحتسي قهوة الصباح الساخنة، وتشرف من نوافذه الزجاجية على الشارع أو يوقظ صباحك بحباته اللؤلؤية على تلك الشرفة الزجاجية التي تحبها مثل ملاذ للطائر، جميل أن تكون في مطعم للصيادين في بندر مدينة بحرية صغيرة، ويظل يناوش تلك المراكب والقوارب الصغيرة، ويجعل للبحر رائحة أخرى، رائع هو إن حضر في ليل باريسي مفعم بعطر امرأة، تتوكأ على كتفها كمحارب جريح، لا يريد أن يبرأ منها، ولا من جروحه، تتبع ظل عازف «ساكسفون» في تلك الزرقة المبهرة، وهو يبوح بما في صدره، وصدر آلته الموسيقية الباكية، بعض المدن إن جاء مطرها، جاء ومعه تلك الطفولة المبتلة بالمطر، زغزغة الماء الذي نسمح له أن يسلك من حلق الكندورة العربية، مدغدغاً الجسد ببرودته المفاجئة، والتصاقه بالثوب، مستخرجاً تلك الضحكات العفوية، والفرح النهاري الذي نتمناه أن يطول.
وحدهم أبناء المدن المرفهة والمستعجلون بتلك الانضباطية المملة، يرهقهم المطر إن حضر كضيف يخبئ مفاجأة حضوره، فتجدهم متبرمين، وربما قلقين، لأن للمطر إيقاعه، ويفرضه حضوره، لا يمكن أن يترك بقعة مبتلة دون أن يلعب بشيء من وقتها، وينزلها من هيبتها المتعالية، ويسيّر كل شيء فيها حينها وفق هواه، وإيقاعه المموسق بالبلل والريح الباردة، للمطر رائحته التي يتركها في الأماكن لتدل عليه، ثمة حياة جديدة ومختلفة يأتي بها المطر، ويأتي بها زهو حضوره في حياتنا وذاكرتنا وأسفارنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 14:45 2017 الأحد ,16 إبريل / نيسان

"الشيكولاتة المكيسكية" أبرز وصفات لويز باركر

GMT 09:19 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

اليابان تبتكر "موبايل" قابل للغسل

GMT 16:02 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

يوسف السركال" القطريون دبروا ما حدث في بانكوك"

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

نهيان بن مبارك يفتتح معرض "السوربون أبو ظبي"

GMT 17:09 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

تسريبات تكشّف تفاصيل عن مواصفات "سامسونغ غالاكسي S10"

GMT 14:25 2015 الأحد ,25 كانون الثاني / يناير

الشارقة الدولي للكتاب يشارك في معرض القاهرة

GMT 21:15 2015 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

توم فورد يقدم عطرًا مستوحى من ازدواجية إمرأة

GMT 07:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

كتابيه لـ عمرو موسى الأكثر مبيعًا في مهرجان الكويت

GMT 08:23 2013 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مراسلو الإذاعة في ميادين مصر لرصد الاحتفالات الشعبية

GMT 14:28 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الوجبات الخفيفة تعزز طاقة الجسم وتحميه من الجوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates