بقلم - ناصر الظاهري
كنت أستمع لإحدى إذاعاتنا في برامجها المنوعة، وفجأة صدمتني المذيعة التي كانت تعتقد أنها تصنع حُسناً، وتتأنق في حديثها الرفيع بعبارتها الزائدة، وجملتها غير المفيدة بشأن ذاك الحيوان الجميل الذي ما إن أدخل أي مدينة، وأجده يمشي في طرقاتها الرملية يتبع ظله أو تراه العين يبحث في دروبها عن أي شيء، ولو كان هدفه البعد عن الضجر، وعن الأذى، ومن أجل أن يفرح نفسه بمشيه فقط، حين أراه حقاً أوقن أن الحياة ما زالت جميلة وبسيطة، وما زال فيها شيء من الطيبة، هكذا يمكنني أن أقرأ مشهد الحمار في القرى أو المدن الصغيرة أو في الأرياف كصديق مخلص للفلاحين، موقف المذيعة غير الحضاري تجاه هذا الحيوان الأليف الذي لم يؤذ الإنسان، بقدر ما أذله الإنسان واستحقره دون أي سبب استفزني، كانت تتحدث عن الحيوانات، وكانت تتفاخر حين تنطق الأسد والنمر والنسر والذئب والثعلب والضبع، وحين وصلت إلى الحمار قالت: أكرمكم الله! ولا أدري لما خجلت من أبي صابر هذا الحيوان الدهري الذي رافق الإنسان منذ أن وطئت قدمه الأرض؟ لم هذا الخجل والاستحياء من ذكره، وتكريم وجه الإنسان السامع والمشاهد؟ لِمَ لم تخجل المذيعة من النسر الذي يأكل الجيف، ولا من الضبع ناكر الجميل أو الثعلب الماكر، ولا من الأسد الكسول ذي البخر، ولا الذئب الغدّار، وحده الحمار حطت من قيمته، دون أي ذنب اقترفه، وقد حاولت أن أتقصى من أين جاءت عبارة «كرّم الله وجوهكم، أو أكرمكم الله» حين ذكر اسم الحمار والكلب، وهما من أوفى الحيوانات إخلاصاً وتفانياً في خدمة الإنسان منذ قديم الأزل، هناك مقولات تخص نجاسة الكلب ولكنها غير مثبتة، ولا يمكن تفسير ما كان يقصد به حفظة النص حين يقرنون الإنسان وخاصة المرأة معهما في بطلان الصلاة أو غيرها من الأمور الخلافية في الموروث الديني، لكن الحمار الذي مجّده الأدب والشعر والثقافات العالمية لم أجد نصاً صريحاً يخص نجاسته والتقليل من شأنه، وتكريم وجه الإنسان السامع حين ذكر اسمه.
ولا أدري موقف هيئات الرفق بالحيوان في العالم، والجمعيات التي تهتم بالحيوانات الأليفة، والتي رافقت الإنسان وخدمت الحضارة الإنسانية أننا نحمل في ثقافتنا هذا التحيز، والتمييز «العنصري» الحيواني، ونعلنها ليس فقط في حديث الناس، ولكن في وسائل إعلامنا التي من أولى مهامها تعزيز المفاهيم القيّمة في عقول النشء، وليس منها بالتأكيد ذلك الحقد تجاه حيوان صبور وجميل ولا يشكو من تعب أو كسل تجاه ما يناط به من أدوار ليجعل حياة الإنسان أكثر راحة وسهولة ويسراً، ويقابله الإنسان الجاحد بتلك العبارات التي صبّتها عليه المذيعة، ويصبها الآخرون بالتوارث والتقادم، ويريدون أن ينقلوها إلى عقول الأجيال الجديدة التي لا تعرف تضحيات أبي صابر، ولا تعرف قيمته الحقيقية في حياتهم الجديدة، ومع ذلك يريدون منهم أن يتبعوا ذكر اسمه بكلمة: كرّم الله وجوهكم أو أعزكم الله!