حاجة الحياة للحياء

حاجة الحياة للحياء

حاجة الحياة للحياء

 صوت الإمارات -

حاجة الحياة للحياء

ناصر الظاهري
بقلم : ناصر الظاهري

لا أدري لِمَ قلّ الحياء في حياتنا؟ ذلك الحياء الذي هو جزء من الإيمان، زينة الرجل والمرأة، وزينة المجتمعات في العموم، حياء المحافظة واللباقة وحسن التصرف والكياسة، حياء يمنع التمادي والتعدي وإيقاظ الجمر الذي تحت الرماد، حياء يحول بين النفس وشرورها وبغيها إذا أرادت.
كنا نشهد ذلك في حياة أسلافنا الماضية، وأدركنا أناساً كانوا يتمثلون بالحياء، ولا يحيدون عن طريقه، وحاولنا أن نتحلى بما بقي لنا من جمائلهم، وحسن معشرهم شاقين به طريقنا الذي بدأ يضيق علينا في حياتنا المدنية المعاصرة التي تشهد تغييرات، وقلب موازين، وزعزعة ثوابت.
كنا نشهد رقة اللغة والخطاب مع الجار، ولين وطيب الحديث مع الجارة، ثمة خجل من المُعلّم ممزوجاً بالرهبة، وهناك طرق للمرأة إن تكلمت، جملها قصيرة، وبالكاد تسمع نبرة الصوت، هناك إجلال للكبير، وتقديم للزعيم، وتوقير للمسن، وتصاغر للصغير، هناك رقة في اللغة التي توجه للأم، هي أقرب للهمس، وأقل من الأُفّ، هناك لغة يغلفها الاحترام والهيبة حين تتحدث مع الأب، وإن أدّبك جارك، قلت السمع والطاعة، فهو بمثابة الأب الحاضر إن غاب الأب، وللجارة حق في بنت جارتها، تسدي النصيحة، وتنهر إن تطلب الأمر، كانت منظومة جميلة وهادئة تسيّر أيامنا الماضية، ربما ساعدت بذلك بساطة الحياة، وتقارب الناس، وانعدام المنافع التنافسية. اليوم لا نقول إن تلك الأشياء الجميلة، والعلامات الأخلاقية عدمت من حياتنا، ولكن أوجد مكانها البديل، والبديل البشع، ولك أن تتبع أحاديث الناس في شوارع مدننا العربية، وسترى وستسمع كل ما يضر العين ويخدش السمع، مسبات علنية، ولعنات وشتائم وتطاول، والمرأة خالعة برقع الحياء، ويمكن أن تتلاسن مع الآخر الغريب الذي يتوجب عليه أن يكون أديباً على أقل الأشياء، ويمكن أن ترفع صوتها ليسمعها الجميع، ولا تبالي بسواد الوجه، لا خفر ولا خجل ولا حياء، لذا لا مكان للتربية التي يتحلى بها أناس الأجيال الماضية، ولا مكان لحسن تصرفهم وتهذيبهم، ورقيهم في الخطاب والتعامل مع مفردات جديدة عليهم في هذه الحياة المادية المتسلطة، والتي لا تلتفت إلى أي معايير وقيم أخلاقية، بقدر ما تلتفت إلى حساب الكم، وتغير في حساب الكيف، وأولويات تفرضها لغة الصدام اليوم، ولغة الإقصاء، ولغة غياب روح التسامح.
لا يمكن للإنسان المهذب أن يمضي ساعات يومه دون أن يخرج عن طوره من هول ما يسمع ويبصر، غدت الحياة اليوم بلا حياء، رغم حاجتها له لتعيد توازنها وشكلها الملون، حتى «الجنتلمان» الإنجليزي وتصرفه الراقي غاب من شوارع لندن، وحضرت بديلة عنه لغة أصحاب المهن الرخيصة، ولغة القاع والرعاع، مثلما غاب نُبل وأخلاق الفرسان من فرنسا، وجلب الهامش لغته معه إلى المركز، ليدخل بها عنوة حياة باريس وتفاصيل يومها الذي كان مهذباً حد المبالغة والإكثار!

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حاجة الحياة للحياء حاجة الحياة للحياء



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 02:43 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

الصحف العالمية تتناول تحديات وآمال رئاسة جوزيف عون في لبنان
 صوت الإمارات - الصحف العالمية تتناول تحديات وآمال رئاسة جوزيف عون في لبنان

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل
 صوت الإمارات - أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 02:29 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

بلينكن يعرب عن أمله في التوصل لاتفاق بشأن غزة قبل تنصيب ترامب
 صوت الإمارات - بلينكن يعرب عن أمله في التوصل لاتفاق بشأن غزة قبل تنصيب ترامب

GMT 02:45 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

إلغاء ميتا التثبت من الحقائق سيكون له ضرر في العالم الحقيقي
 صوت الإمارات - إلغاء ميتا التثبت من الحقائق سيكون له ضرر في العالم الحقيقي

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 15:08 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استعراض واقع القطاعات الخدمية والمشاريع التنموية في طرطوس

GMT 02:16 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها

GMT 17:31 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة نجمة البوب الكورية سولي عن عمر ناهز 25 عامًا

GMT 00:04 2019 الخميس ,28 آذار/ مارس

صورة "سيلفي" تحول جسد فتاة إلى أشلاء

GMT 23:37 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فيصل خليل يؤكد أن الجمهور ينتظر بشدة منافسات كأس آسيا

GMT 21:06 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

علماء يختبرون مواد كيميائية تعمل على محو الذكريات

GMT 13:23 2013 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

رواج في حركة بيع العقارات بالعبور

GMT 17:54 2020 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

عواصف رعدية تجتاح ساحل أستراليا الشرقي

GMT 02:59 2019 الخميس ,22 آب / أغسطس

حسين الجسمي يطرح أغنية "دنيا" عبر يوتيوب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates