عالم هشّ ومذعور ومنعدم الحيلة

عالم هشّ ومذعور ومنعدم الحيلة!

عالم هشّ ومذعور ومنعدم الحيلة!

 صوت الإمارات -

عالم هشّ ومذعور ومنعدم الحيلة

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

خلال كلمة له في شهر مارس 2015 في ملتقى TED قال بيل غيتس محذراً: «إنّ ما أخافه ليس حرباً نووية ولكن أن يظهر وباء لا نستطيع إيقافه»، وأعاد بالذاكرة إلى فيروس إيبولا قائلاً: «المشكلة لم تكن أن النظام كان يعاني من بعض القصور لمواجهة هذا الوباء الخطير، ولكن المشكلة أنه لم يكن لدينا أي نظام أصلاً»، ثم ختم بقوله: «إنْ بدأنا اليوم سنكون جاهزين للوباء القادم»، صفّق له الآلاف من الحضور وأكثر من 21 مليون مشاهد من خلال الشبكة ولكن لم يبدأ أي أحد منهم بالاستعداد!

بمسارٍ موازٍ وفي ربيع 2017 كتب برايان وولش مقالاً بمجلة TIME الأمريكية بعنوان غلاف يقول: «تحذير: العالم ليس مستعداً لوباء جديد» ومرّ مرور الكرام على من قرأه هو الآخر، بعدها بسنتين في أكتوبر 2019 أقامت إدارة الصحة والخدمات الإنسانية بالبيت الأبيض دورة محاكاة لوباء ينتشر بدءاً من الصين ويجتاح العالم، أسمَت الدورة Crimson Contagion، مخرجاتها كانت تشير لوفاة قرابة 65 مليون إنسان، منهم ما لا يقل عن 585 ألفاً في أمريكا لوحدها!

ما يجب أن نعرفه فعلاً أننا كائنات هشّة، يصيبها الذعر سريعاً فلا تعرف ماذا تفعل وتبحث عن حيلة للخروج من المأزق بعد ضياع الوقت أو فداحة الخسائر، هناك ملايين من الفيروسات غير «كورونا» لم تُكتَشَف بعد، ونحن ما زلنا نتحدث عن غزو الفضاء واستيطان الكواكب وصناعة روبوتات تكفينا مؤونة كل شيء، لكن كل هذا الضجيج وكل هذه الأحلام الوردية كانت ينسفها فيروس لا تراه العين!

البشر درسوا أسباب الصراع وعوامل الاختلاف وحللوا مولّدات الحروب وتأثيراتها، ثم توسعوا في علم الاجتماع وعلم النفس وما يتصل بها لكي تكون لديهم قدرة في التحكم بالسلوك العنيف للإنسان، والذي يدفعه لخيارات تصادمية مع الآخرين، ثم أتى تنسيق دولهم فيما بينها من خلال تحالفات أو عقد اتفاقيات للحيلولة دون نشوء حروب تعود على البشر بالفناء، لكنهم لم يدرسوا تاريخ الأوبئة وكيف فتكت بالإنسانية طيلة تاريخها، هي (نقطة عمياء) لا يلتفت لها الساسة ولا يتحرك لها الخبراء إلا بعد أن تعود تلك الأوبئة للضرب بقوة من جديد!

لنلقِ نظرة سريعة على تلك الضربات لعلنا نستشعر الخلل، فطاعون جستنيان في القرن السادس الميلادي قتل 50 مليون إنسان أي نصف عدد سكان الكرة الأرضية ذاك الوقت، والطاعون الأسود في القرن 14 قتل أكثر من 200 مليون إنسان، وأهلك الجدري في القرن العشرين فقط أكثر من 300 مليون إنسان رغم وجود العلاج منذ عام 1796، أما الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 فقتلت ما بين 50 إلى 100 مليون، أي أكثر من قتلى الحرب العالمية الأولى التي كانت بنفس الفترة، تلك الإنفلونزا أصابت واحداً من كل ثلاثة أشخاص بالعالم، نقص المناعة HIV بدوره أهلك أكثر من 32 مليوناً وما زال مصاباً به قرابة 75 مليوناً وحتى الساعة لا علاج له، أما الملاريا فحتى يومنا هذا تقتل ما معدله نصف مليون إنسان سنوياً!

إنّ البشرية ممثلةً في نخبها السياسية والطبية تعاني ضبابية في الأولويات، الكوارث الكبيرة لا تحدث فجأة ولكننا ربما نكتشفها فجأة، بينما في الواقع تكون قد مرّت بمراحل طويلة من النشوء والنمو والنضج ونحن في سُباتٍ طوعي عنها، ففضلاً عن القصور الواضح في الكشف عن الفيروسات التي لم نتعرف عليها بعد والتأخر في البحث عن علاجات استباقية يجعل مستقبل البشر على محك صعب، فإنّ هناك قلقاً آخر ينتاب العلماء وذلك بملاحظة مقاومة الأمراض البكتيرية المتزايدة للمضادات الحيوية، والتي تودي بحياة ما معدله 33 ألف إنسان في أوروبا وحدها سنوياً، ما يجعل المستقبل مظلماً للبشرية إنْ فشلت هذه المضادات في مواجهة هذه الأمراض وعادت كأوبئة كما كان يحصل في التاريخ القديم، الأمر الذي حدا بالمستشارة الطبية السابقة بالحكومة البريطانية سالي ديفيس لتدعو الظاهرة بنهاية العالم للمضادات Antibiotic Apocalypse!

هشاشة العالم واضحة، وذعره الذي نراه لانعدام كل الحيل والحلول لديه دليلٌ على ذلك، لستُ متشائماً ولكن من يقرأ أحداث البشرية يتيقّن أنّنا سنعود لنفس السبات السابق حتى نصحو على وباء أشد فداحة من «كورونا»، «كورونا» الذي يقول برايان وولش إنّه إذا تحقّق السيناريو الأسوأ لهذا الوباء والذي ينتشر بشكل لا يُصدَّق وبانعدام حيلة لدى كل الدول المتقدمة، فإنّ ذلك سيجعل ما تخيّلته إدارة الصحة الأمريكية بخصوص Crimson Contagion يبدو كيوم جميل في الحديقة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم هشّ ومذعور ومنعدم الحيلة عالم هشّ ومذعور ومنعدم الحيلة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates