بقلم -عوض بن حاسوم الدرمكي
ليس في الأمر جديد، فالمجلس عصر ذاك الاثنين كان يغص بالحضور كالمعتاد والوفود الدبلوماسية تؤمه وفدٌ إثر وفد، وصاحب المجلس لا تفارق الابتسامة وجهه، وهو بين مستقبلٍ لقادم ومودّع لمغادر، حتى انفضّ المجلس من أغلب حضوره حين قاربت صلاة المغرب، عندما أقيمت الصلاة في مسجد القصر كان أول من تقدّم الصفوف كما كان آخر من خرج من المسجد.
تردد صدى أبيات حماسية في البهو الرئيسي، ألتفتُّ وإذا بأحد الشعراء يلقي قصيدة وطنية جميلة و«بوخالد» يقف أمامه مبتسماً وكعادته لا يشيح بنظره أبداً عندما يُحادِثه أحد، ورغم أنّ الشاعر توقف كثيراً لأنه نسي بعض الأبيات لهيبة مَن أمامه إلا أنّ صاحب القلب الكبير لم يُحرجه أو تظهر عليه أي علامات للضيق، بل بالعكس كانت ابتسامته التي تزداد تُشجّع الشاعر على التذكّر والإكمال حتى انتهى، فصفق له طويلاً قبل أن يمسك بيده، وهو يتحدث بصوت يسمعه الجميع «قصيدتك هذي حركت أشياء كثيرة في صدري»!
«لا تتبعون الثعالب، ولا تلتفتون أيضاً للثعالب» هكذا تحدث واقفاً للحضور الملتف حوله في ذلك البهو، كان يستعير ذاك الوصف الذي أطلقه الشاعر على من حاول اختطاف ديننا لكي يصل بأساليب المكر والخديعة لكراسي الحُكم في بلدان العرب، تماماً كما هو نَهْج الثعلب على الدوام، فأولئك المخادعون لم يخجلوا أن يستخدموا دين رب الأرض والسماء كـ«طُعْم» لتمرير أجنداتهم، فكيف سيخجلون من البشر؟ هم حتى هذه الساعة ما زالوا يقفزون من مستنقع خديعة إلى مستنقعٍ آخر.
«تعرفون شو قال واحد عن الحل مع هذه الجماعة؟» كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يجول ببصره في وجوه مَن حوله ونبرته الهادئة تقول ذاك السؤال قبل أن يُكمِل: «الحل أنّنا نسلمهم مفاتيح البلاد»، فتعالت أصوات الحميّة والعزّة:«يهبون» «والله يا يبطون» «يعقبون عقبهم الله»، كانت الردود تخترق ذاك الهدوء وقد استفزّها ذاك الحل الذي تحلم به تلك الجماعة المخرّبة، نُسلّمهم مفاتيح البلاد؟ مصيرنا ومصير أبنائنا ومستقبلهم؟ نُسلّم عصابة دموية قد عميت بصيرتها لكثرة تآمرها في أقبية جبل المقطّم وأمثاله ليدمروا بلداً يرفل بالعزة ويتألق بالتمدّن ويحسدنا عليه القاصي قبل الداني؟ هل يعقل أن يُسلّم عاقل ابنه الذي يُحبه إلى جزّارٍ لا يحمل في يده إلا خنجراً غادراً ولا يرى من الدنيا إلا السواد، ولا يعتبر الآخرين من غير حزبه إلا «أُضحيات» لابد من تقديمها كقرابين لشياطين حكومات الغرب والشرق لكي يساعدوهم على الوصول لتلك الكراسي!
ألم يقتلوا الرئيس المصري أنور السادات لتوقيعه معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، ثم ما إن تسلموا حُكم أرض الكنانة في تلك السنة الكئيبة حتى أعلنوا أنّ الرئيس سيحترم جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية، فلماذا قتلتم السادات إذن؟ ألم يُكفّروا ويطعنوا في حُكّام العرب وضربوا لنا الأمثلة كثيراً في أدبياتهم التي سيطرت على صناعة النشر في البلاد العربية والإسلامية لعقود طويلة بأنّها تُشابه غدر ملوك الطوائف في الأندلس واستنصارهم بالممالك النصرانية ضد إخوانهم المسلمين، ثم رأيناهم وقد اتفقوا مع الولايات المتحدة الأميركية رأس الشيطان كما كانوا يكذبون علينا ويسمونها سابقاً لكي تُمكّنهم من السلطة وانبطحوا لهيلاري كلينتون ورئيسها المتآمر علينا باراك أوباما كأشد ما يكون الانبطاح، فأين ذهبت أمثلة ملوك الطوائف إذن؟ ها قد أصبحتم كفرة بلزوم ما وصمتموه غيركم ومِن فمك أُدِينك!
كان الصوت الهادئ يرتفع قليلاً وهو يشارك الآخرين في التساؤل المر: «شو سووا هالجماعة من خير للناس؟. غير 20 مليون إنسان بسيط تم تهجيرهم من بلدانهم وأكثر من مليون ونص مدفونين بدون ذنب»، المصيبة الكبرى هنا هي حجم «البجاحة» لدى جماعة الإخوان هذه، فمازالوا وإعلامهم وأبواقهم من الطابور الخامس يقومون بحفلات من اللطم والتباكي على الإسلام «المغدور»، لا نعرف فعلاً إلى أي مدى سيصل الكذب لدى هؤلاء، فحتى مسيلمة سيخجل مما فعلوا ويفعلون رغم انكشاف ألاعيبهم وأساليبهم الميكافيلية التي لا تَمُتُّ للإسلام بأي صلة، كان بو خالد يبتسم من جديد وهو يتذكّر مقولة لزايد الخير رحمه الله تعالى فقال بنبرة ضاحكة:«إذا هم الإخوان المسلمين.. عيل نحن الإخوان من؟»!
يسود الصمت قليلاً قبل أن يضيف سموّه: «هذيلا نعرف اسمهم الصحيح.. اسمهم الخوارج، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حذّر منهم وقال لئن أدركتهم لأقتلنهم» كان حفظه الله يشير إلى الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم: «إنّ مِن ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مُروقَ السَّهمِ مِن الرَّمِيَّة، يقتلون أهل الإسلام ويَدَعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد»، أليسوا من أخرج لنا شياطين القاعدة ورضعت داعش من لُبانهم ولَهَجَتْ بعقيدة مُنظِّرِهِم سيد قطب في العنف؟ ألا يستحلون دماء المسلمين ويفرحون بذلك في سيناء وهم يقتلون الجنود المصريين؟ لماذا تقمّصوا دور بني إسرائيل وادّعوا أنهم شعب الله المختار، فالإسلام لا يكتمل مالم يكن من خلال فكرهم وفهمهم هم له، والعقيدة الحقة هم أدرى الناس بها، فمن خالفهم فإما أن يكون من وعّاظ السلاطين أو أعوان الظلمة وفي أهون الأمور هومن العامة الجهلة، إن الدين أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وليس على حسن البنا أو سيد قطب أو بديع أو القرضاوي !
إنّ من يحاول اختصار الإسلام في جماعته هو أخطر على الأمة من كل أعدائها لأنه يُخرِج الأُمّة وإنْ لم يُصرِّح بذلك من دينها، فهم كما قال بو خالد: «ما بَرّوا بأهلهم، ولا بَرَّوا ببلادهم ولا برّوا بدينهم»، فالدين قد اكتمل ولم يَعُد بحاجة لموسوسين في آخر الزمن ليلووا أعناق النصوص لكي تسير وفق أهوائهم، والأمر كما اختصره حفظه الله تلك الليلة: «الدين الله حافظنّه والدار وراها رجال»!