إن في الجنون عقلاً

إن في الجنون عقلاً

إن في الجنون عقلاً

 صوت الإمارات -

إن في الجنون عقلاً

علي ابو الريش
بقلم : علي ابو الريش

مطلوب منا أن نكون عقلاء، وأن نتناغم مع الواقع، لتسير المياه في الجدول بأمان.

هذه هي الحقيقة، ولكنّ شيئاً من الجنون يحتاج إليه الإنسان ليرتب قطع الدمية في داخله، وليستطيع أن يمارس اللعبة في الحياة بشكل طبيعي ومن دون محسنات لغوية لا تفي بالغرض، ولا تخدم الجملة الشعرية، والتي يريد من خلالها بناء قصيدته المتفائلة حول الحياة.
الجنون ليس مرضاً عقلياً، وليس هو معارض صحة العقل. العقل في حد ذاته يحتاج إلى الجنون، مثلما تحتاج رشفات القهوة إلى النكهة التي تعيد للذائقة لذتها.
نحتاج إلى الجنون؛ لأنه ما من عاقل تخلى عن جنونه، إلا ودخل غرفة العناية المركزة، وانتهى به الأمر إلى موت سريري، ثم الوداع الأخير.
الجنون في العقل يمنحنا الحركة، والخروج من المياه الراكدة، وكل الذين تقيدوا بسلاسل العقل بلا جنون وصلوا إلى ضفة النهر متأخرين، ولم يجدوا ما يشربونه، بعد أن انفض الجمع، وذهب كل إلى غايته، ما عدا من استأسد عقله، وتكلس، وأفلس من كل يثير فيه حرقة المواكبة مع دورة الحياة، وحركة المراوح التي تدور في الرؤوس.
العقل عندما يقف ضد تيار الجنون، تجنح به التيارات، وتكسره، وتلقي بأغصانه خارج ضفتي النهر، وبعد حين تصبح أفكاره أشبه بالغصون اليابسة، يصبح هو أشبه بالشجرة الجرداء، وتصبح بيئته صحراء قاحله، تؤمها صرخة الطيور المشردة، والغزلان البرية التي لا عشب لها وما ماء.
نحن نحتاج إلى الجنون العاقل، نحتاج للعقل المجنون؛ لأننا لا نستطيع أن نعيش خارج الطبيعة، ولا تحت الأرض، ولا في ثنايا سماء غيمتها قطنة تخلت عن بياضها.
نحن نحتاج إلى الجنون؛ لأنه فن الحياة. نحن نحتاج أن نتمثل فكرة أرسطو عن الفن في أنه «الفن هو فهم الحقيقة، عن طريق صور محسوسة تكون لها فائدتها وقيمتها الجمالية». وكما أكد هيجل «الفن أسمى من الطبيعة».
فنحن في الجنون فنانون نمنح للطبيعة جمالها، بعد أن نعيد صياغتها، وترتيب الخصلات على جبينها.
نحن في الجنون نعيد للعقل مكانته في حيز الوجود، ونذهب بالحياة إلى حيث ينبغي للعقل أن يكون.
كل الفنانين، والمخترعين، والمبدعين، لم يكتشفوا ذواتهم إلا من خلال ومضة الضوء التي أنارت فناء العقل، في لحظة التجلي، هذه هي لحظة الجنون العالم، هذه هي بغية العقل ومنهجه، ومرآته، وحلمه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إن في الجنون عقلاً إن في الجنون عقلاً



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 08:52 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

1.2 مليون زائر لمعرض الشارقة الدولي للكتاب

GMT 23:26 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السودانية هديل أنور بطلة تحدي القراءة العربي

GMT 10:26 2013 الثلاثاء ,20 آب / أغسطس

دار إبداع تصدر الكتاب الساخر "يا صلاة العيد"

GMT 14:26 2013 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

10 أخطاء يجب تجنبها عند اختيار ديكورات المنزل

GMT 12:22 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق اختبارات مسابقة "جولدن سينجر" للمواهب

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 23:40 2017 الجمعة ,24 شباط / فبراير

إكسسوارات تمنحك الهدوء والراحة في غرفة النوم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates