غربة «1  3»

غربة «1 - 3»

غربة «1 - 3»

 صوت الإمارات -

غربة «1  3»

علي ابو الريش
بقلم : علي ابو الريش

ما بينك وأبناؤك فجوة بسعة العمر الذي أحرقته. ما بينك وبينهم كما هي المسافة بين ضفتي المحيط.
لو استدعيت الذاكرة، وجلست تحصي الصور والمشاهد التي مررت بها، ستجد أنك تعيش غربة الزمان.
الزمان أخذ منك الكثير، وأعطاك الكثير، وأنت ما بين الأخذ والعطاء مثل حركة البندول، تذهب وتجيء، وكلما تأملت وجوه صغارك شعرت بالغربة تقترب منك، وتفتح نافذة واسعة، تجعلك في خضم الفكرة البدائية التي تقول من أنا؟ وأنت ليس إلا فكرة في قلب الطبيعة، أنت بذرة كبرت، ثم وقعت على الأرض، فجاءتها الريح وقذفتها إلى مكان بعيد، ولما حاولت العودة، وجدت نفسك محاطاً بالأسئلة والجواب أنك من زمن، لم تكن فيه أسئلتك بحجم ما ينتابك اليوم من علامات استفهام.
الصغار الذين يحومون من حولك، تراهم مثل فقاعات مائية، أو رغوة صابون، تنتفخ ثم تنطفئ، وأنت ما زلت تتأمل الوجوه، وتقرأ الملامح، وتقول في سرك، يا ترى، لماذا هم يشبهونك في كل شيء، ما عدا الفكرة؟ ما يفكرون فيه اختلف بمقدار مائة وثمانين درجة عما تفكر فيه أنت.
هم وقعوا في مأزق الفكرة المتدحرجة مثل كرة النار، وأنت ما زلت عند النقطة الأولى، أنت في الماضي، وهم في الحاضر، وفي بعض المستقبل. أنت ممتلئ برائحة الرمل، وحشرجات الأزقة، وخشخشة جدران الجريد.
أنت ما زلت رغم كل الانفجارات الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية التي اقتحمتك، ما زلت تجلس على الحصير، هكذا تتخيل، وهكذا يعتريك الشوق إلى رحلة ربما لم تكتمل لأسباب دنيوية مختلفة. بينما الصغار، يبدون لك مثل طيور حلقت كثيراً في السماء، واقتطفت من غيمتها، قطرات المطر فتغيرت ملامحهم، وتبدلت أحوالهم، واختلفت عوالمهم، وجاؤوا إليك من ذلك العالم محملين بأفكار لا تتلاءم مع أفكارك، وأنت تحاول أن تجمع شتاتك، وتقتعد أريكة التحدي وتطالبهم بأن يكونوا كما أنت تكون، وذلك هو المستحيل. لا يمكن أن يجتمع الماضي والحاضر في زمن واحد، ولا يمكن أن تختزل الأزمان، لتصبح لحظة راهنة تجتمع فيها الأضداد.
تحاول أن تكون قاضياً، ووصياً على أفكار الصغار، ولكنك تكتشف أنك قاض فاشل لم يدرس القضية، كما هي في تفاصيلها، ومحتواها، وأسبابها، أنك فقط تحجم عن فيض التغيرات، وتتمسك بصورة الزمن كما تتذكره وكما يتجسد أمامك، وتنسى أنك قادم من منطقة كانت الأزقة فيها حالكة السواد، واليوم، لو وقعت من جيبك إبرة، سوف تكشفها الأضواء المبهرة في كل زاوية، وكل ناصية.
أنت قادم من الظلام، وهم يتربعون على خاصرة المصابيح الزاهية. أنت تفكر أنك امتلكت زمام المعرفة في الوجود، ولذلك تنهي وتأمر، ولما تصد وترد، تشعر بالقنوط، فيكفهر وجهك غضباً، لأنك لم تلق الإذعان لمن ظننت أنك السيد في مجلسهم.
تصاب بالإحباط فقط لأنك فقدت مملكتك التي ظننت أنها أزلية لا زوال لسلطانها. تشعر بحالة من الاكتئاب السوداوي لمجرد أن الخدعة الصورية لم تكتمل حلقتها، وأنك أصبحت الطرف الأضعف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غربة «1  3» غربة «1  3»



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 18:28 2016 الخميس ,11 شباط / فبراير

"الشارقة للثقافة العربية اليونسكو"لـ صنبر

GMT 18:42 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أنور المشيري يطرح ديوانه الشعري الأول "مراية الروح"

GMT 18:17 2013 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة ألمانية تكشف تزايد الهجمات الإلكترونية على الشركات

GMT 07:46 2015 الأربعاء ,20 أيار / مايو

"كهرباء دبي" تنجز مواءمة خطتها الاستراتيجية 2021

GMT 06:52 2013 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عبدة وأبو ماضي يتحدثان عن إثر "حرب أكتوبر" في قصصهم

GMT 13:54 2018 الخميس ,29 آذار/ مارس

خبير التجميل ميمو يوضح أسباب تكريمه في مصر

GMT 23:44 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

مانشستر سيتي يفكر في إعارة دانيلو خلال الميركاتو الشتوي

GMT 20:54 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

منتجعات التزلج على الجليد تستعد لاستقبال عشاق الشتاء

GMT 09:51 2014 الإثنين ,18 آب / أغسطس

4 أسلحة لمحاربة رطوبة الجو في المنزل

GMT 09:37 2017 السبت ,07 تشرين الأول / أكتوبر

صداقة تجمع بين غواص مسن وسمكة بوجه إنسان منذ 10 سنوات

GMT 11:08 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

ماجد ناصر يقود شباب الأهلي إلى نهائي كأس الخليج العربي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates