أحلام

أحلام

أحلام

 صوت الإمارات -

أحلام

بقلم - علي ابو الريش

لو سألت طفلاً صغيراً، وقلت له، ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ سيقول لك أريد أن أصبح مثل أبي. الطفل يرى في أبيه بطلاً عالمياً خارقاً، لا يشق له غبار. ولكن لو استجليت مشاعر هذا الأب، وحاولت أن تعرف عن مدى شعوره وهو يجلس قبالة ابنه الصغير، ستجده يتمنى لو يعود طفلاً، مشاعره يد أم حنون، تجلي عن وجهه قطرات الدمع، أو بقايا نوم غزت محياه العفوي. الإنسان عندما يبلغ من العمر عتياً، يبدأ في تقليب الصفحات، وقراءة التاريخ من جديد، فيحزن، لأنه يشعر بأن هناك الكثير من الفناجين قد تكسّرت، وأن السجادة التي يجلس عليها قد شابها الغبار، وأن الغرفة التي تطوقه جدرانها أصبحت عتيقة، وتنفث رائحة نتنة، وأن السماء التي تلحف جسده أصبحت مكسوة بغيوم داكنة، والأرض التي يمشي عليها، امتلأت بالحفر والأعشاب الشوكية الوخازة. الإنسان عندما يكبر يشعر أن شيئاً ما مخيفاً يتتبع خطاه، ويسير خلفه بتربص، يشعر أن هذا الشيء يمتلك من الحيل ما يجعله مرعباً، لن يستطيع رد أذاه مهما فعل، ومهما تحاشى ضرره. يشعر الإنسان في هذه الحالة أن كل تصورات الطفولة مجرد زيف، ما نال منه إلى الحيف والحسرة، بعد أن ذبل الغصن وانحنى العمر إلى هاوية مريعة. في هذه الحالة نجد الإنسان نفسه أمام جرف هاو، قد يأخذه في أي لحظة إلى السحيق المحيق، ويصبح لا شيء. الطفولة كونها سماء صافية هي وحدها التي تمتلئ بالصور الزاهية، والنجوم المتلألئة، والأقمار المضيئة التي لا تطفأ أنوارها، ولذلك نرى الطفل الصغير قد يبكي لأدنى سبب، وأقله، ولكنه أيضاً يستعيد عافيته بأقصى سرعة، ويضحك وينسى ما حدث قبل برهة من الزمن، لأن ذاكرة الطفل مثل قماشة الحرير، لا تعلق بها الأوساخ، بل تنزاح لمجرد نفضة بسيطة. الطفل ذاكرته آنية، بينما الإنسان الكبير فذاكرته تاريخية، ملأى بالتفاصيل. الصغير ليس لديه مثل هذه الأحزمة من الحبال الملتوية، الطفل الصغير لا يعبأ بالتاريخ كثيراً، لأنه ابن اللحظة، الدمعة تتلوها ابتسامة، ثم ضحكة، ولا يبقى من الصور السابقة إلا نمش بسيط سرعان ما يزول، لمجرد تلقيه لعبة صغيرة تعيد له التوازن، تستدرجه إلى عالم الخيال الملون بالفرح. 
الحياة بدأت بالفرح، نحن الذين نلونها بالحزن، لأننا نشعر بالخفة، فنلجأ إلى الحزن، لعله يعيدنا إلى الأرض، وهذه خدعة أخرى ابتكرها الإنسان على مر الزمن، ليثبت أنه قادر على حماية نفسه من الطيران في الخواء، كونه فهم أن الأرض هي مركز الكون، كما ادعى طاليس، رغم ما فعله كوبر نيكوس في دحض هذه الخرافة، إلا أن الإنسان لا يزال متشبثاً بفكرته القديمة، كونه كائناً ينتمي إلى التاريخ.

المصدر :

صحيفة الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحلام أحلام



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 18:28 2016 الخميس ,11 شباط / فبراير

"الشارقة للثقافة العربية اليونسكو"لـ صنبر

GMT 18:42 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أنور المشيري يطرح ديوانه الشعري الأول "مراية الروح"

GMT 18:17 2013 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة ألمانية تكشف تزايد الهجمات الإلكترونية على الشركات

GMT 07:46 2015 الأربعاء ,20 أيار / مايو

"كهرباء دبي" تنجز مواءمة خطتها الاستراتيجية 2021

GMT 06:52 2013 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عبدة وأبو ماضي يتحدثان عن إثر "حرب أكتوبر" في قصصهم

GMT 13:54 2018 الخميس ,29 آذار/ مارس

خبير التجميل ميمو يوضح أسباب تكريمه في مصر

GMT 23:44 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

مانشستر سيتي يفكر في إعارة دانيلو خلال الميركاتو الشتوي

GMT 20:54 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

منتجعات التزلج على الجليد تستعد لاستقبال عشاق الشتاء

GMT 09:51 2014 الإثنين ,18 آب / أغسطس

4 أسلحة لمحاربة رطوبة الجو في المنزل

GMT 09:37 2017 السبت ,07 تشرين الأول / أكتوبر

صداقة تجمع بين غواص مسن وسمكة بوجه إنسان منذ 10 سنوات

GMT 11:08 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

ماجد ناصر يقود شباب الأهلي إلى نهائي كأس الخليج العربي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates