عندما تعلو تنخفض

عندما تعلو.. تنخفض

عندما تعلو.. تنخفض

 صوت الإمارات -

عندما تعلو تنخفض

بقلم - علي ابو الريش

تخيل أنك صعدت جبلاً هائلاً، فسوف ترى الناس في السفح بحجم الكرات الصغيرة وسوف تشعر بالسعادة، كونك أصبحت أكبر من الجميع، وأعلى منهم قامة وهامة. ولكن لمجرد أنك تهبط من قمة الجبل، سوف ترى نفسك غريباً، لا يعرفك أحد، لأن الذين كنت تراهم صغاراً، كانوا هم كذلك يرونك أصغر، إلى درجة أنهم لم يتعرفوا على شخصيتك. وعلى الفور سوف تشعر بالإحباط، والتقزز من نفسك، والاشمئزاز من حالتك. هكذا هو الإنسان الذي تكبر فيه (الأنا) وتتورم، فهو يعتقد أنه الأكبر والأعظم بين الناس جميعاً، إلا أنه في حقيقة الأمر، لم يكبر فيه سوى الخدعة البصرية التي رسمتها في ذهنه الأنا المخادعة. فعندما تكون أنت في حضرة الأنا، تتلاشى أنت، ولا يحضر غير الوهم، لا يحضر سوى الغبار الذي تعفره الأنا أمام عينيك، فلا ترى أنت في هذه الحالة إلا الظلال السوداء التي أثارتها الأنا، وتصبح أنت في اللاشيء.
نحن نلج عالماً من الخيال الكاذب، عندما نغدو تحت سطوة الأنا، نحن نصير مثل الدجاجة التي تنقر صورتها في المرآة، وتحسب أنها تضرب كائناً آخر يشبهها، بينما هي لا تنقر إلا صورتها المنعكسة على المرآة.
الأنا مرآة قديمة، مكسوة بكتلة هائلة من النفايات التاريخية، الأنا بقعة رملية نمت عليها كتلة هائلة من الأعشاب الشوكية، منعت عنها ضوء الشمس. عندما تحتقن الأنا، يعتقد الإنسان أنه امتلك زمام الوجود، بل يعتقد أنه هو الوجود، ومن حوله ليس إلا بقايا تالفة لا قيمة لها، الأنا عندما تتورم تصبح ورماً سرطانياً، يتسع على حساب خلايا الجسم الأخرى، ولكن في نهاية الأمر ينفجر الورم، ويذهب إلى لا شيء، كما تذهب الخلايا الأخرى. كلما شعرت أنك الأكثر، كلما أصبحت أنت الأقل، فأنت ترى في الناس الأقل، وكذلك هم يرون فيك الأقل والتافه، ومع مرور الزمن، تذهب أنت، وتختفي تحت جلباب (أناك) ويبقى الآخرون، لأنهم الحقيقة وأنت الوهم، لأنهم الواقع وأنت الخيال، لأنهم الحياة كما هي، وأنت الحياة المصنوعة من تبن الأنا. الأنا كائن مخادع، فلا تصدقه ولا تسر خلفه، ودعه وراءك وامشِ، سوف ترى العالم كما هو من دون زيف، ولا تحريف ولا تخريف. فأصل الأنا جاء من أتون الخرافة، والخرافة تجعلك تنتفخ مثل البالون حتى تنفجر، أو تذهب إلى قمة الجبل وتضيع هناك فلا يراك أحد. اكسر شوكة الأنا حتى لا تلسعك، وقلِّم أظافرها حتى لا تخربشك، غل يديها حتى لا تصفدك بأغلال الخديعة، حاول بقدر الإمكان ألا تكون الرهينة، وجرِّب حريتك بنفسك، سوف تجد نفسك أعظم عاشق في الوجود، عندما تعشق تعرف معنى الحياة، ومعنى أن تكون أنت كما أنت، وليس أنت كما تريده (الأنا). جاهر في الحب وعشه، ولا تبادر في التقوقع في غرفة الأنا. لا تثابر من أجل أن تكون الأكبر، بل اعمل على أن تكون الأشف والأخف والأرهف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما تعلو تنخفض عندما تعلو تنخفض



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 18:28 2016 الخميس ,11 شباط / فبراير

"الشارقة للثقافة العربية اليونسكو"لـ صنبر

GMT 18:42 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أنور المشيري يطرح ديوانه الشعري الأول "مراية الروح"

GMT 18:17 2013 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة ألمانية تكشف تزايد الهجمات الإلكترونية على الشركات

GMT 07:46 2015 الأربعاء ,20 أيار / مايو

"كهرباء دبي" تنجز مواءمة خطتها الاستراتيجية 2021

GMT 06:52 2013 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عبدة وأبو ماضي يتحدثان عن إثر "حرب أكتوبر" في قصصهم

GMT 13:54 2018 الخميس ,29 آذار/ مارس

خبير التجميل ميمو يوضح أسباب تكريمه في مصر

GMT 23:44 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

مانشستر سيتي يفكر في إعارة دانيلو خلال الميركاتو الشتوي

GMT 20:54 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

منتجعات التزلج على الجليد تستعد لاستقبال عشاق الشتاء

GMT 09:51 2014 الإثنين ,18 آب / أغسطس

4 أسلحة لمحاربة رطوبة الجو في المنزل

GMT 09:37 2017 السبت ,07 تشرين الأول / أكتوبر

صداقة تجمع بين غواص مسن وسمكة بوجه إنسان منذ 10 سنوات

GMT 11:08 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

ماجد ناصر يقود شباب الأهلي إلى نهائي كأس الخليج العربي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates