الحب في زمن كورونا «8»

الحب في زمن كورونا «8»

الحب في زمن كورونا «8»

 صوت الإمارات -

الحب في زمن كورونا «8»

علي ابو الريش
بقلم - علي ابو الريش


حين فتح عينيه للشمس كانت تستسلم للغروب، وتمد خيوطاً ذهبية للوجود، وتسرج خيول عشقها لعالم آخر، استدار جانباً وأحنى ظهره يبحث عن محارة فارغة، ليرمي بها في جوف البحر.
كانت الموجة تتخبط على الشاطئ وطيور الكروان تتسرب على الرمل المبلل، تبحث عن دود الأرض. أخذ الرجل الكهل نفساً عميقاً، وهو يتذكر الأخشاب العملاقة التي كانت تسترخي على الساحل، مسترخية بعد سفر طويل.
تذكر ثلاثة أبناء لم يرهم منذ أربعة أشهر، وتذكر القبلات التي كانت تلامس قمة رأسه، منثنية كأنها قطرات المطر على شفة التراب النبيل. أدمعت عيناه وهو يشيع آخر نظرة توديع ترسلها شمس الصيف، محدقاً في اللاشيء.
بصوت مشروخ، غنى للحب، للحياة، للناس، لكل الذين حجبوا، وتواروا خلف ستر الجائحة. قال في سره وهو يتنهد: تلك أيام مضت، كانت تحمل في طياتها عبق الحب، كان الحب بحجم التضاريس التي طوّقت الوجدان والأشجان بعطر الغافة، وشجى السمر، ونبل النخلة الرابضة على التاريخ، مثل ابتسامة عريقة، تمشّت على شفتين لميائيتين، وأسهبت في الرعشة اللذيذة.
نهض الرجل واستدار ناحية القرية النائمة على فراش الصمت، الحالمة بيوم يأتي بلا ضجيج الجائحة، تملى الزقاق المطل على باب البيت الجاثم على نفرة المرتقبين لصوت ما يأتي من فضاء بعيد، الهامدين مثل أحفورة نسيها التاريخ، وأضحت تلملم بقايا أحداث مرّت من هنا.
سار الرجل، يسير بخطوات واهنة، ويمسح دمعة لمعت من تحت الجفنين، وصل إلى حافة الوعي بأهمية بأن يعود أدراجه إلى مخدعه، قبل أن يصرخ الصوت المتهدج محذراً من مغادرة المنازل.
وصل في الوقت المناسب، وكانت الزوجة تعد قهوة المساء وتتمتم: ليت ولدي هنا في هذه الساعة التي تفوح فيها القهوة برائحة اللقاءات الحميمية، نظر إليها الرجل بعينين ذبل جفناهما، وابيضت حدقتاهما، ثم زم بوزه على كلمة تجمّدت أطرافها، ولم يفرج شفتيه عن مغزى ما فكّر فيه.
تربّع الرجل، ثم شعر بألم في مفصلي الركبة، فتمدد مستريحاً، وأخذ فنجانه وراح يمزمز رشفاته بهون على هون، وقلبه مأخوذاً إلى منطقة من الوعي، إلى مكان تشرق فيه عيون الأحبة، على أحلام قد لا تبدو أحسن حال من حاله، مدّ يده وأخذ الفنجان الثاني، كانت القهوة الساخنة بخور الصدر، كانت عطر التاريخ وذائقة الناس الطيبين، يرتعش فنجانها في يده، فيضطر لضمّه بيدين، فتدمع عيناه، متذكراً الفتى الذي كان يقبض بالمجداف بيد كأنها مفك المسامير.
تقهقر إلى الوراء، وأسند ظهره المنحني على المسند القطني، ونظر إلى الباب، تخيّل أن أحد الأحبة سوف يدلف في تلك اللحظة، تخيّل أن الضجيج انتهى، ولكن ما كان الباب ليفتح، فما كان إلا لحيوان أليف مضّته حرارة الصيف، فالتجأ إلى برودة انسلت من تحت فرجة الباب، فانسل هو أيضاً يبحث عن يد ما تملس شعر ظهره، يبحث عن الحب، فاستجاب الرجل الكهل، باحثاً هو أيضاً عن حنان مفقود، مفتشاً عن لمعة عينين تضيء مساءه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحب في زمن كورونا «8» الحب في زمن كورونا «8»



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 08:52 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

1.2 مليون زائر لمعرض الشارقة الدولي للكتاب

GMT 23:26 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السودانية هديل أنور بطلة تحدي القراءة العربي

GMT 10:26 2013 الثلاثاء ,20 آب / أغسطس

دار إبداع تصدر الكتاب الساخر "يا صلاة العيد"

GMT 14:26 2013 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

10 أخطاء يجب تجنبها عند اختيار ديكورات المنزل

GMT 12:22 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق اختبارات مسابقة "جولدن سينجر" للمواهب

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 23:40 2017 الجمعة ,24 شباط / فبراير

إكسسوارات تمنحك الهدوء والراحة في غرفة النوم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates