أزمة ليبيا باقية وتتمدد

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

 صوت الإمارات -

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

بقلم: جبريل العبيدي

الأزمة الليبية لا تزال في حالة انتظار طويل لصعود الدخان الأبيض دليلاً للاتفاق، وأظنه ما زال بعيداً، وهي التي أصبحت بين مد وجزر ومبادرات وحوارات، والإعلان عن تسويات قريبة، تكاد ترجم بالغيب أن الأزمة الليبية المعتقة، والقديمة المتجددة والمستعصية في ظل تسويات وتفاهمات واتفاقات هشة، ثم يقابلها إعلان متبادل عن التنكر لها.

رغم مراحل الاتفاق على تقاسم المناصب السيادية ومكانها بين الأقاليم التاريخية الثلاثة لليبيا (برقة وطرابلس وفزان) محور الأزمة الليبية (أزمة تهميش المناطق)، فإن إنتاج حل للأزمة قابل للتطبيق دون انتكاسة لا يزال بعيد المنال.

أزمة ليبيا في الحقيقة هي أزمة أمنية وفوضى سلاح، وليست أزمة شخوص أو تسمية مناصب، وبالتالي أي حوارات حول تسميات شخوص والاختلاف على الأسماء، دون مناقشة صلب الأزمة الأمني، لا يخرج عن محاولة كسب الوقت بتشكيل مجلس رئاسي، وحكومة لا تختلف عن سابقتها تنال القبول من الدول المتدخلة في الشأن الليبي، وهو عبث جديد بالأزمة الليبية لإطالة عمرها، وستكون حكومة عملاء وبيادق لمن جاء بها.

الاتفاقات المبرمة باتت في «مهب الريح»، لكون المعلنين والداعمين لها هم أول من يتنكر لها، بل ويعملون على إجهاضها قبل ولادتها، فلا يمكن حل أزمة الميليشيات على غرار نسخة «حزب الله» اللبناني عقب الحرب الأهلية، فالنتيجة واضحة، كون «حزب الله» كان أنموذجاً سيئاً لوجود سلاح ميليشياوي خارج سلطة الدولة.

فالأزمة الليبية لا تحل إلا بتفكيك الميليشيات - وإن كان هناك دمج لبعض أفرادها فليكن أفراداً وليس جماعات - وجمع السلاح واحتكاره لدى الدولة وإخراج المرتزقة، ولا بد من معالجة ملف الهجرة، بدل رمي الأخطاء على ليبيا وهي دولة عبور وليست إنتاجاً للهجرة، والتوقف عن استخدام ليبيا معسكراً لتفريخ الإرهابيين للعالم، وغير ذلك هو إطالة لعمر الأزمة وتدوير للنفايات السياسية، وإلا فلن نشهد تصاعد الدخان الأبيض.

بينما موقف دول الجوار الليبي مختلف ومتنوع تنوع رؤيتها للأزمة الليبية، فالحكومة الجزائرية رؤيتها للحل في ليبيا لا تتناغم كثيراً مع الرؤية المصرية، وكثيراً ما ظهرت في حالة تنافس مع الجانب المصري بخصوص الملف الليبي، فالجزائر ترى أنه لا بد من مشاركة أنصار النظام السابق في أي تسوية بليبيا، كما أنها لم تكن متحمسة كثيراً لاتفاق الصخيرات المغربية بشأن الأزمة الليبية، ولم تلعب فيه دوراً فاعلاً، بينما الحكومة المصرية تتعاطى بتوازن مع الطرفين دون انحياز، وهذا ما دأبت عليه القاهرة في رؤيتها للحل بليبيا، في حين الحكومة التونسية في زمن الباجي قائد السبسي كانت تتأخر عن غيرها في موقفها من الأزمة، خصوصاً في تسلل بعض المقاتلين إلى ليبيا، الأمر الذي تسبب لها فيما بعد بعودتهم وعودة نشاطهم الإرهابي على الأراضي التونسية، مما شكل خطراً لاحقاً على الأمن القومي التونسي نفسه، الذي تتشارك فيه مع ليبيا جغرافيا حدودية ومجتمعية، وسوقاً اقتصادية مهمة تؤثر في سوق العمل والاقتصاد التونسي، ما دفع الحكومة إلى تغيير موقفها السابق الذي كان ينحصر في النأي بالنفس عن مشاكل الجار الليبي، وبدأت أخيراً تتعاطى بشكل مختلف تتقدم فيه خطوات نحو الجار الليبي والمساهمة في الحل.

صحيح أن جزءاً كبيراً من الأزمة في ليبيا سببه النخب الليبية، التي وصفتها المبعوثة الدولية السابقة ستيفاني وليامز بالقول: «الفشل الحقيقي هو فشل ليبي بامتياز ويخص النخبة السياسية، التي لا تريد الانتخابات لسبب رئيس واحد هو أنها ستخسر امتيازاتها»، لكن هذا لا يعني أن الفشل السياسي هو ليبي بامتياز أو ليبي خالص، فالحقيقة أن المتدخلين في الشأن الليبي يتحملون الجزء الأكبر، بالمشاركة مع تأرجح دول الجوار الليبي بين مُسهم في الحل وآخر معرقل أو متقوقع على نفسه، متناسياً أن الأزمة في ليبيا لها انعكاسها على دول الجوار التي ستكتوي بنيرانها في حالة اشتعالها.

ليبيا اليوم بحكومتين وبرلمانيين، وبالتالي هي مهيأة للانقسام الجغرافي بعد الانقسام السياسي، وهذا ما يسعى له بعض الدول (المنتفعة)، حتى ينفرد بليبيا منقسمة لسهولة السيطرة على ثرواتها، خصوصاً أن ليبيا محاطة بمحيط جغرافي كبير، سيكون متأهباً لترسيم الحدود واجتزاء أراضٍ ليبية خصبة غنية بالماء والنفط لمجرد إعلان انقسام ليبيا رسمياً لدولتين أو ثلاث، وهنا مكمن الكارثة التي لا يدرك كنهها وكواليسها من يسعون إلى تقسيم ليبيا منذ زمن بيفن سفورزا، مروراً بمشروع غوركا، وجميعهم أصحاب مشروعات لتقسيم ليبيا، أفشلها الوطنيون في ليبيا، ولكنها مشروعات ما تلبث أن تنتهي، حتى يعاد نفث النار في رمادها لإشعال نيران تقسيم ليبيا، كأن ليبيا تزعجهم في وجودها دولة موحدة بسبب العرق واللون والدين والجغرافيا، وهي عوامل توحيد لا تجدها في بلدان موحدة بالإكراه لا تجمعها لغة أو دين أو عرق أو جغرافيا، ولكن لا أحد يسعى إلى تقسيمها.

رغم أن الأزمة الليبية باقية وتتمدد فإن هناك تفاؤلاً بانفراجها وإن طال الزمن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة ليبيا باقية وتتمدد أزمة ليبيا باقية وتتمدد



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates