المدونات الفلسفية وتأثير الفن

المدونات الفلسفية وتأثير الفن

المدونات الفلسفية وتأثير الفن

 صوت الإمارات -

المدونات الفلسفية وتأثير الفن

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تثبت المدوّنات التاريخية التي تبحث في نقاط التماسّ بين الموسيقى والفلسفة أن محاولات الفصل بينهما قد فشلت. المجالان الموسيقي والفلسفي استمرا في التداخل، كل مجالٍ يغني الآخر، بل إذا رجعنا إلى فترات الذروة التي بلغت فيها الموسيقى أوْجها منذ القرن الـ18 وحتى الـ20، سنجد أن الفلسفة في تلك الفترة نفسها كانت مزدهرة، بل بلغت أقصى حالات الازدهار في تلك الفترة وأخصبها، فهي القرون التي شهدت استعادة «سؤال المعرفة» من «كانط» في القرن الـ18 إلى «مارتن هيدغر» في بحر القرن الـ20. تيودور أدورنو، فيلسوف وعالم اجتماع وعالم نفس وموسيقي ألماني، اشتهر بنظريَّاته النقدية الاجتماعية، وتأثر «أدرنو» بأنماط «هيغل» الكتابية، وأمه كانت مغنية، وهو ممن «دافع عن الموسيقى الحديثة، التي رأى أن مدرسة فيينا الثانية خير نموذج لها، وفي أبحاثه وظّف الأفكار الفرويدية والماركسية في خدمة الموسيقى الطليعية»، وذلك بحسب «علي الشوك» في الجزء الرابع من كتابه «أسرار الموسيقى».

وإذا عدنا إلى صفحات مذكرات الموسيقي الروسي «بيتر إليتش تشايكوفيسكي»، التي ربتْ على الـ600 صفحة، سنعثر على غنى التأثير الفلسفي على رؤيته الفنية، وفي استهلال الكتاب تذكر «ألكسندرا أورلوفا»، وهي المحرّرة للمذكرات، أن «اهتمام تشايكوفيسكي بالفلسفة تجلّى في نقده لمبادئ الفيلسوف الألماني «أرتور شوبنهاور» ولآراء «تولستوي» الفلسفية، والاهتمام الذي أبداه بأعمال فلاديمير سولوفيوف والفيلسوف القانوني والسياسي بوريس تشيتشيرين، وأخيراً في سنوات حياته الأخيرة لأسبينوزا».

جاءت موسيقى تشايكوفيسكي محايثةً للقلق الفلسفي، ومعارضةً لمبادئ أرتور شوبنهاور الفلسفية، إذ تنبعث شهب الحياة من بين مقطوعاته الموسيقية، وما عشق العالم لمعزوفته الأخّاذة والفرحة «كسارة البندق» إلا ثمرة من ثمار اعتراض تشايكوفيسكي على نتائج فلسفة أرتور شوبنهاور التشاؤمية التي تُضرب عن الفرح وإرادة الحياة والانغماس في لذائذها.

«نيتشه» هو الآخر عازف مميز، كان ثنائياً هو و«فاغنر» قبل أن «تتأنّث» موسيقى الأخير، ودخول فاغنر على خطّ الاهتمام الشعبي، حينها غضب نيتشه على هذا «التأنيث» وراح يكسر بمعاول بحثه تاريخ الموسيقى الألمانية، سنعثر على هذا النقد الشرس في كتبه المتوزعة، ولكن النقد سيكون واضحاً في نقد «القيم»، التي حملتْها الموسيقى «المؤنّثة»، ممثلةً في مقطوعات فاغنر التي أنتجها في الثلث الأخير من حياته، سنجد النقد كل النقد في كتابه «ما وراء الخير والشر - تباشير فلسفة المستقبل». وفي الـ100 صفحة الأخيرة من الكتاب يصرخ نيتشه كعادته: «إن توخّي الحذر الشديد هو واجب على ما أظنّ عند تذوّق الموسيقى الألمانية، عليه أن يستمع بأذنيه مقدمة موسيقى أعمق وأقوى، أخبث وألغز، ربما موسيقى ما فوق ألمانية لا تخفت وتذبل وتبهت».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المدونات الفلسفية وتأثير الفن المدونات الفلسفية وتأثير الفن



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates