عن علي حرب وسياسات نقد الحقيقة

عن علي حرب وسياسات نقد الحقيقة

عن علي حرب وسياسات نقد الحقيقة

 صوت الإمارات -

عن علي حرب وسياسات نقد الحقيقة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

 

المرة الأولى التي التقيت فيها بالمفكر علي حرب في قهوة بشارع الحمراء في بيروت؛ ثم التقيته مرةً أخرى في دبي بعد توصية من الأستاذ تركي الدخيل لتوقيع عقد كتبه ونتاجه.

كان علي حرب ودوداً كبيراً بنفسه وذا نفَسٍ طويل بالنقاش. لطالما قلت عنه وكتبت أنه «مصل ضد الآيديولوجيا». قرأت له الكثير فهو متمكن من الفلسفات والنظريات وبخاصةٍ كتبه التي يدرّس بعضها في فرنسا، واليوم هو غائب عن الكتابة ونتمنى عودته بصحةٍ وعافية، وقد كتبت ملفات حول فلسفته في أحد كتبي المتعلقة بالتحول الفلسفي.

علي حرب له ميزة مزج القصة بالنظرية، فبينما بيروت تحتدم بصراعاتها، وتنخرط بتناقضاتها، والحرب الأهلية على أشدّها، يثمر القلق الكبير الذي عاشه عبر مسيرته الفلسفية الممتدة عن عشرين كتاباً بدأها بالقراءات والمداخلات، وصولاً إلى التفسير والتأويل، لتبلغ الذروة من خلال ثلاثيته «نقد الحقيقة» و«نقد النص» و«الممنوع والممتنع»، وهي الكتب التي أنتجها في التسعينات من القرن الماضي، ليدخل بعد ذلك إلى مرحلة التفكيك والتجاوز منشغلاً بنقد الإنسان، عبر مساءلة الشعارات، ونقد تشومسكي، وحديثه عن «النهايات» منخرطاً بجدل الإرهاب والعولمة، فضلاً عن إعلانه «نهاية المثقف الشمولي» ونقده لفوكوياما وهنتنغتون، وانسجامه مع نصوص فوكو (التي قرأ بعضها في ذروة الحرب الأهلية)، ومن ثم ليقوم بقراءة عميقة لجيل دلوز وفليكس غيتاري، وذلك بكتابه «الماهية والعلاقة – نحو منطق تحويلي».

تشكّل الكتابة عن فلسفة علي حرب الفلسفي تحدياً؛ ذلك أنه نتاج متفجّر دائماً، ويصعب القبض على بدايته أو نهايته، فهو إرثٌ ممتد يتطبّع بلحظته وزمنه، عدّته المفهومية ترتكز على قراءة المفاهيم، وفحص النصوص، ومخاتلة خطاب الحقيقة. انتقل جهده من البحث عن الحقيقة إلى نقد خطابها، ومن فهم النص إلى نقد النص، ومن كمال العقل إلى البحث في اللامعقول بالخطاب العقلي. أولى اهتماماً واضحاً بالتصوّف وخطاب الحب وسجف الفناء.

بدأ حرب بنثر عدة مفهومية كبيرة أغنت المجال الفلسفي العربي، ولا غرابة أن تكون كتبه التي لم تكن مترابطة في مجالاتها، أو موحّدة بمضامينها، موضعاً للدراسات الأكاديمية، ذلك أن قيمة ما كتبه علي حرب في شتاته، وفي تبعثره، وفي تشظّيه، وفي تناقضه أحياناً، إذ التناقض ليس موضوعاً محرجاً، فالنص قد يطردك من الباب، لكنك قد تدخل إليه عبر الشباك. والمساحة لا تكفي للبحث في كل المجالات الجديدة التي اختطّها، فقراءته لجيل دلوز ونقده لكانط وتأثره بهيدغر وفوكو ونيتشه عديدة وممتدة.

الخلاصة أن علي حرب لا يخلو كتابٍ من كتبه من التجديد بوسائل القراءة؛ ذلك أن هذا المفهوم أي «القراءة» لا يتداخل فقط بالنص المكتوب، وإنما في الجملة الرياضية، أو اللوحة الفنية، أو عرض الأزياء. والقراءة لا تفهم ما هو مكتوب، بل تتجاوز المنطوق والمكتوب من قبل الكاتب، وبالنسبة له فإن هذه الآلية قرأ بها ميشيل، فوكو، ديكارت، عبر كشفه للعقل الآخر للنص الديكارتي، مبيناً كيف أن خطاب العقل يخفي علاقة العقل باللاعقل، أي يتستّر على لا معقوليته. يضيف: «حتى ألتوسير الذي ادّعى بقراءته نصّ (رأس المال) تخليص فكر ماركس من الشوائب الآيديولوجية التي شابته، إنما تأول ماركس وقرأه قراءة جديدة مبتكرة، فاختلف بذلك عنه وقدّم نسخة جديدة عن الماركسية».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن علي حرب وسياسات نقد الحقيقة عن علي حرب وسياسات نقد الحقيقة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates