بقلم: دكتور زاهي حواس
تم الكشف عن جبانة ضخمة في البر الغربي من الأقصر، وكانت أولى المفاجآت أن الذين دُفِنوا بهذه المقبرة عبارة عن مطربين ومطربات، وموسيقيين للإله آمون، وذلك خلال عصر الأسرة الخامسة والعشرين من العصور الفرعونية التي تعود إلى نحو 500 قبل الميلاد. ومما لا شك فيه أن هذه المقبرة من المقابر القلائل التي خصصت لفئة معينة من الناس يمتهنون صنعة أو حرفة واحدة؟! وفي حالتنا تلك كانوا هم المطربين، أو لعله من الملائم أكثر أن نسميهم المنشدين، الذين كانوا ينشدون في احتفالات الإله آمون التي كانت تتم داخل معبده بالكرنك بالبر الشرقي للأقصر.
وعندما تولّى الملك أحمس الأول حكم مصر، بعد أن قام بطرد الهكسوس، وأسس الأسرة الثامنة عشرة من الدولة الحديثة، وجد أن نفوذ كهنة آمون قد بدأ يزداد، ولذلك أراد أن يؤسس فريقاً جديداً يقف خلف الملك؛ لذلك قرر أن تكون زوجته هي «الزوجة الإلهية للإله آمون»، وأن يخصص لها كل الامتيازات، واختار الزوجة لكي تكون موالية له، وتقف في وجه الكهنة، وكان يضم هذا المكتب الجديد العديد من الموظفين، ومنهم المجموعة المهمة التي كانت تغني للآلهة. وقد استمر هذا المكتب حتى الأسرة السابعة والعشرين تقريباً، وتم الانتهاء منه بعد أن وصل الفرس إلى مصر. وفي عهد الملك رمسيس السادس أسند هذا المركز إلى ابنته.
وقد عثرنا على هذه المقبرة بالمصادفة البحتة؛ حيث يوجد بالبر الغربي للأقصر منطقة عبارة عن دائرة كبيرة اعتقدنا أن بها المعبد الجنائزي للملك توت عنخ آمون، وعندما بدأنا الحفائر كانت المفاجأة، وهي العثور على هذه المقبرة الضخمة. والمقبرة الأولى التي عثرنا عليها كانت خاصة بسيدة من المنشدات. والمقبرة محفورة في باطن الأرض بعمق نحو عشرة أمتار. وتقع بئر الدفن أسفل المقبرة، ووجدنا أن هذه المقبرة لم تفتح من قبل. وداخل حجرة الدفن عُثر على مجموعة تماثيل للمطربة لم أرَ مثيلاً لها من قبل. ولكنها تحمل سمات الفن في العصر المتأخر. وأهم التماثيل هو تمثال لسيدة بدينة من الحجر الجيري، تحمل على رأسها إناء وفي يدها غزال، وتحمل السيدة طفلها داخل سلة على ظهرها، وكذلك عثرنا على مقبرة كاملة داخلها توابيت من الخشب، وبجوارها أوانٍ كانوبية. ويعدّ هذا الكشف من الاكتشافات الفريدة التي تخص هذه الفترة من عصر الفراعنة المتأخر.