هناك هوس في العالم كله بالأهرامات المصرية، خاصة هرم الملك خوفو، أكبرها وأدقها وأعظمها، لذلك كثرت الأقاويل والقصص التي لا أساس لها من الصحة، بل هي مجرد أوهام وخيالات رددها الأجانب والعرب عن تلك العمائر المعجزة. وعلى مدار أكثر من أربعين سنة من العمل والحفائر حول الأهرامات تعرضت للكثير من الحوادث الغريبة التي تستحق أن تُجمع في كتاب. ومن تلك القصص والحوادث التي مرت بى حينما كنت أنشر بصفة دورية مقالات عن الأهرامات في جريدة «الأهرام»، وقد فوجئت ذات يوم بالشؤون القانونية بالجريدة تخبرنى بأن محاميًا من محافظة المنوفية أرسل لهم صحيفة دعوى باسم مهندس استشارى مصرى ضد رئيس مجلس إدارة «الأهرام» وضدى!
كان المهندس المزعوم يدعى أن مقالاتى عن الأهرامات مسروقة من أبحاث علمية له! على الرغم من عدم وجود بحث علمى واحد منشور باسمه! وكان واضحًا أنه يريد الشهرة من خلال هذه القضية، ولكن لم ننشر اسمه ولم نعطه أي اهتمام كما كان يريد، وقد تم حفظ القضية.
وقد تم إرسال خطاب آخر إلى جريدة «الأهرام» ممن يدعى أنه خريج كلية الهندسة مدنى. وكانت فحوى هذا الخطاب كالآتى: «فى سنة 1996، وهى الفترة التي اشتد فيها الهجوم على المصريين القدماء والادعاء بأنهم لم يبنوا هرم خوفو، وإنما قامت كائنات فضائية ببنائه، وقيل أيضًا إن علماء قارة أطلانتس المفقودة هم من بنوا الأهرامات! ولأننى أعتبر نفسى من نسل الفراعنة العظام تراءى لى وأنا مهندس أنه لابد من عمل الدراسات الهندسية والأثرية لأثبت أن المصرى الفرعونى القديم هو الذي قام ببناء الهرم الأكبر هو وبقية الأهرامات. وقد انتهيت من البحث وسُجل تسجيلًا كاملًا لإثبات حقى في أواخر عام ١٩٩٦. وقد قمت بإرسال نسخة من هذا البحث إلى السيد رئيس الجمهورية، والسيد رئيس الوزراء، والسيد وزير الثقافة، وقد أُرسلت نسخة من هذا البحث أيضًا إلى السيد الصحفى أنيس منصور، والسيد الأستاذ السعدنى، والأستاذ محسن محمد (أسماء عديدة أُرسل لهم هذا البحث أيضًا). وقد نُشر البحث في مجلة أكتوبر (أجزاء من البحث) وقد نُشر البحث أيضًا في مجلة (الشروق) العربية تحت اسم (مهندس مصرى يكشف سر بناء الهرم الأكبر)، وقد وضع على الإنترنت أكثر من مرة مع طلب بالحضور لإلقاء محاضرة في بعض الجامعات الأجنبية، وكذلك في مجلة (جمعية المهندسين المصرية). وبعد تداول البحث بالتأكيد وصلت نسخ منه إلى السيد الدكتور زاهى حواس عن طريق المصادر السابقة التي أرسلت إليها فوجدته يتداول بعض النقاط من بحثى، وخصوصًا في بعض البرامج التليفزيونية مثل (صباح الخير يا مصر) و(مساء الخير يا مصر)، وبعض الصحف، ومنها جريدة (الأهرام). ومن أمثال هذه النقط التي هي موجودة وفى صميم البحث المسجل سنة ١٩٩٦.
أولًا: أن الفرعون (خوفو) شخصية مقدسة ولم يبنِ الهرم عن طريق السخرة وإنما ابتغاء مرضاة الملك المقدس الذي هو في مرتبة الإله.
ثانيًا: أن الهرم لم يُبنَ بواسطة 100 ألف عامل مصرى في فترة الفيضان ويُستبدلون. وإنما كان يتم البناء يوميًا عن طريق حوالى 5000 مصرى يوميًا والفرعون وخزائنه قادرون على ذلك.
ثالثًا: الهرم كان مدفونًا بالكامل والرمال من حوله من جميع الجهات، وهى من النقاط الرئيسية من بحثى.
رابعًا: أن أحجار الهرم لم تكن متساوية وإنما مختلفة الأحجام وقد أثبت عددها.
خامسًا: ما يردده حاليًا أن الطريق الصاعد عرف اتجاهه وهو نفس الاتجاه الذي حددته في البحث. ويواصل أخذ نقاط أخرى من البحث وينسبها إلى شخصه، وقد سبق أن أرسلت لـ(الأهرام) فاكسين بهذا النص، وأنه نُوقش بعض النقاط في بحثى المسجل في (الأهرام) عن طريق الدكتور زاهى حواس وسأقوم باتخاذ اللازم».
وبالفعل قام هذا الشخص بإرسال عريضة دعوى يقول فيها إنه كتب بحثًا عن بناء الهرم الأكبر وبقية الأهرامات. وقد بذل كل ما في وسعه لتجهيز البحث، مما كبده مبالغ مالية طائلة، وآلامًا نفسية وبدنية حتى توصل إلى كيفية بناء الهرم ومن قام بتشييده. وحيث إنه (حسب زعمه) قام بتسجيل البحث بالشهر العقارى وقام بإرساله إلى العديد من الجهات، فإنه يطلب تعويضًا قدره مليون جنيه عما لحق به من أضرار مادية وأدبية من جراء تعدى المعلن إليه (زاهى حواس وجريدة «الأهرام») على بحثه ونشره بجريدة «الأهرام»!
وعلى الرغم من أننى لم أقرأ بحثه المزعوم ولا يوجد أي نشر علمى أو غير علمى باسم المدعى كان علىَّ أن أدافع عن نفسى أمام المحكمة بأدلة نفى، ذلك لأن القاضى لن يقوم بعمل مناظرة علمية بين الطرفين ويحضر محكمين في هذا الموضوع. ومن هم المحكمون؟! لذلك قمت بقضاء أسبوع تقريبًا في عمل حافظة لإرسالها للمحكمة تتضمن المقالات والكتب العلمية التي نشرتها عن بناء الهرم وذلك منذ عام 1987، بالإضافة إلى ملخص لتاريخى العلمى.. كنت في غاية الضيق لأننى اكتشفت الحقيقة الصادمة أن أي عالم متخصص أو مفكر من الممكن وبكل سهولة أن يجد نفسه متهمًا بالسرقة أمام المحكمة وعليه أن يدافع عن نفسه!
وبالفعل تحدد موعد نظر القضية وكانت بمحكمة جنوب القاهرة، ولم يحضر المدعى أو محاميه فتم تأجيلها لجلسة أخرى. كان واضحًا أن المدعى يريد الشهرة من خلال نشر الصحف أخبارًا عن قضيته ضد زاهى حواس؛ لذلك كنت حريصًا على ألا أذكر اسمه. ومعروف أن أي عالم متخصص يكتب أبحاثًا علمية لا يقوم بإرسالها إلى السادة الوزراء أو الصحفيين، بل يقوم بنشرها في دوريات علمية محكمة. وإذا تم نشر البحث يمكن مناقشته علميًا أو كتابة مقال علمى للرد عليه.
وهناك العديد من الأبحاث التي نُشرت عن بناء الهرم. وبالنسبة لى فإن كل ما أكتبه عن بناء الهرم مبنى على اكتشافات أثرية بمنطقة الأهرامات، وليست مجرد نظريات كما كتب علماء الآثار من قبل أو بعض غير المتخصصين أمثال ذلك المدعى. ومعظم ما كنت أكتبه من مقالات كان يركز على معضلات بناء الأهرامات، ووظيفتها، وكذلك على مقابر العمال بناة الأهرام، والتى قمت بكشفها إلى الجنوب الشرقى من أهرامات الجيزة.
دعونا نناقش النقاط الخمس التي حددها المدعى في خطابه أو دعواه ضدى. أولًا: بخصوص موضوع أن الملك خوفو شخصية مقدسة وأنه لم يقم ببناء الهرم بالسخرة، فهذا الموضوع قُتل بحثًا وكتب فيه علماء عظام، مثل الدكتور سليم حسن، والدكتور عبدالعزيز صالح، والدكتور أحمد فخرى. وكان أهم من ناقش موضوع السخرة وفنده وأثبت أن الهرم لم يُبنَ بالسخرة هو عبدالعزيز صالح في كتابه «حضارة مصر القديمة وآثارها»، القاهرة 1962. وقد أضفت نقطتين أو دليلين مهمين إلى هذا الموضوع، الأول أن كشف مقابر العمال بناة الأهرامات يثبت أن الأهرامات لم تُبنَ بالسخرة لأن العمال دُفنوا بجوار الهرم وأعدوا مقابرهم بالمقتنيات الأثرية التي سوف يستعملونها في العالم الآخر. ولو كانوا عبيدًا لما سُمح لهم ببناء مقابرهم بجوار الهرم. ثانيًا كتبت مقالات في الحوليات العلمية منذ عام 1987، وفى رسالتى للدكتوراه عن أهرامات الجيزة، أننا نعرف أن الملك في مصر القديمة كان «حورس» على الأرض، وعندما يموت يصبح الإله «رع» إله الشمس لكن «خوفو» قام بأول ثورة دينية في التاريخ، حيث نصب نفسه إلهًا للشمس أثناء حياته وطرد كهنة هليوبوليس، وقد أعطيت حوالى أربعة عشر دليلًا علميًا يؤيد هذه النظرية، وقام «شتادلمان» بتدوين ثلاثة شروط تؤكد هذه النظرية. وقد قام المصريون القدماء باختلاق القصص عن «خوفو» وهرمه لأن «خوفو» أول ملك غيَّر في النظام الدينى المعروف للمصريين القدماء منذ ما قبل الأسرات. ثانيًا: إشارة سيادته إلى أن الهرم لم يُبن بمائة ألف عامل، بل بُنى بخمسة آلاف عامل فقط. والذى قال إن الهرم بُنى بمائة ألف عامل هو «هيرودوت»، أبوالتاريخ، ولا أعرف ما هو الدليل العلمى الذي استند إليه الذي يؤكد أن الهرم بُنى بخمسة آلاف عامل. وقد قلنا من قبل إنه لا توجد حكومة في العالم القديم قادرة على إدارة مشروع يعتمد على هذا العدد من العمال، ولذلك فقد افترضنا بناء على حجم القرية التي كان يعيش فيها العمال، وطبقًا لحسابات أخرى فإن عدد العمال الذين بنوا هرم «خوفو» كان من عشرين إلى ثلاثين ألف عامل، وهذا منشور في العديد من المجلات العلمية، وآخرها ما أشار إليه الكاتب الراحل الكبير أنيس منصور في مجلة «ناشيونال جيوجرافيك»، وبها موضوع عن بناة الأهرام، وأكدت أن هذا العدد من العمال اشترك في البناء، ومنهم العمال الدائمون الذين يعملون تحت إدارة الملك، وفرق أخرى عمال غير دائمين ترسلهم عائلات مصر على حسابها للاشتراك في بناء الهرم، وتدفع لهم العائلات أجورهم لأنهم بذلك يعملون على بعث الملك من جديد ويؤكدون ألوهيته، وهذا واجب قومى مقدس، وهذا ما يدفعنى إلى أن أكرر أن بناء الهرم هو الذي بنى مصر. والعمال الذين دُفنوا في المقابر المكتشفة هم فقط العمال الذين ماتوا أثناء بناء الهرم، لأن العمل كان يتم بالتناوب على مدار العام. وكان العمال يتم جمعهم وإرسالهم إلى هضبة الجيزة مثل نظام الجندية الحالى، فبناء الهرم قديمًا مثل الدفاع عن مصر حديثًا.
ثانيًا: قوله إن الهرم كان مدفونًا بالكامل والرمال من حوله من جميع الجهات. لم يكن الهرم مدفونًا بالكامل إطلاقًا؛ فلدينا نصوص لغوية تشير إلى أحاديث عن الهرم على مر العصور حتى وصول «هيرودوت» إلى مصر في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، وتحدث عن سطح الهرم وكيف أنه ملىء بالكتابات والمخربشات التي تركها العمال الذين بنوا الهرم. وفى بداية القرن الماضى قام المرحوم سليم حسن و«جان فيليب لوير» وغيره بإزاحة الرمال العالقة على السطح بمسافة ترتفع حوالى خمسة أمتار فقط خاصة في الجانب الشرقى.
ثالثًا: بخصوص ما قاله من أن أحجار الهرم لم تكن متساوية وإنما مختلفة الأحجام، وقد أثبت عددها. أولًا أؤكد أن أحجار الهرم كانت متساوية واستطاع العامل المصرى وهو يقوم بقطع الأحجار تسويتها من جميع الجهات بآلات معدنية، مثل النحاس أو بأحجار مثل الديوريت والظران (الزلط) والسبب المباشر في ذلك كى لا يستعمل كثيرًا من المونة على أن تتم عملية لصق الأحجار بضغط الهواء. وفعلًا أحجار الهرم بأحجام مختلفة، فهو لم يأتِ بجديد، هذه معلومة معروفة للجميع، أما الجديد فهو أن أضخم حجر موجود من الحجر الجيرى بالهرم لا يزيد على طن ونصف الطن تقريبًا، وأن أعداد أحجار هرم خوفو طبقًا لنظرية جديدة سوف أشير إليها بعد ذلك في مقالات قادمة لابد أن تكون أقل من العدد المعروف؛ فقد دعوت الدكتور إبراهيم مبارك من كلية الهندسة جامعة حلوان ومجموعة من طلبة الدراسات العليا وقمت بإمدادهم بالمعلومات الجديدة واستطاعوا أن يقروا بأن أحجار الهرم يصل عددها إلى 1.300.000 فقط.
وأخيرًا، ادعاؤه بأنه استطاع تحديد مسار الطريق الصاعد ومعرفة اتجاهه! فإن موضوع الطريق الصاعد تم بناء على الحفائر التي قمنا بها أثناء مشروع الصرف الصحى لقرية نزلة السمان، وقمنا بمراقبة خط مسار المشروع، وهنا أشيد بالمسؤولين الأجانب الذين نفذوا المشروع، فقد أمدوا المجلس الأعلى للآثار بالأموال اللازمة والمعدات كى يقوموا بعمل مشروع إنقاذ للآثار التي تُكتشف أثناء مسار المشروع. وفى حالة ظهور أي آثار يتم إيقاف الحفر وتقوم المجموعة الأثرية بتسجيل الآثار التي تظهر، وقد سجلنا ظهور الجدارين الجنوبى والشمالى للطريق الصاعد، بالإضافة إلى تسجيل أرضية الطريق الصاعد، واستطعنا أن نسجل أن الطريق الصاعد تم تغيير زاوية ميله من المعبدالجنائزى، وذلك نتيجة لتوسعة المعبدالجنائزى، وقد تم تتبع مسار الطريق الصاعد متجهًا شرقًا حوالى 700 متر، وبعد ذلك تم تغيير مساره بدرجة 32 مسافة 125 مترًا حتى وصل إلى الجانب الجنوبى من معبدالوادى على غرار الطريق الصاعد الخاص بالهرم بالملك سنفرو بدهشور، وبذلك يصل طول الطريق الصاعد إلى 825 مترًا. وهذا مسجل في العديد من الأبحاث العلمية