يعتقد كثير من الناس أن ملوك مصر القديمة بنوا أهرامات قائمة بذاتها لكى يدفنوا هم وكنوزهم بداخلها. والناس بذلك الاعتقاد لا يعلمون أن الهرم ما هو سوى عنصر معمارى واحد من أربعة عشر عنصرا، تكون جميعها ما يعرف باسم المجموعة الهرمية للملك. وبمعنى آخر كانت مقبرة الملك تتكون من أربعة عشر عنصرا، منها الهرم. وبالطبع ليست كل مقابر الملوك متشابهة، وكثير منها لم يتوفر لأصحابها إما عامل الوقت أو الموارد الاقتصادية الكافية لبناء مجموعته بصورة مثالية، ولذلك كانت هناك كثير من مقابر الملوك خلال عصرى الدولة القديمة والوسطى تفتقد للصورة المثالية للعناصر المعمارية المكونة للمقبرة والتى حاولوا تعويضها بشكل أو بآخر. ومن خلال الحفائر التى قمت بها حول هرم الملك خوفو كشفت أن المجموعة الهرمية تتكون من هذه العناصر:
1- الهرم: تم الكشف عن أكثر من مائة هرم من الأسرة الثالثة وحتى بداية الأسرة الثامنة عشرة، أى من عصر الملك زوسر حتى عصر الملك أحمس الأول الذى بنى هرمه فى أبيدوس. وكما شرحنا فى مقالات سابقة أن الأهرامات بنيت كمقابر للملوك، وأنها فى نفس الوقت كانت تمثل القوة والعظمة الدالة على حكمهم، وكانت عبارة عن قصر الملك فى العالم الآخر. ونحن نعرف أن لدينا أهرامات دفن فيها الملوك وأهرامات أخرى دفنت فيها زوجاتهم، وفى بعض الأحيان أمهاتهم، وهناك أيضا الهرم العقائدى الذى لم يستخدم فى الدفن.
2- الأسوار المحيطة بالأهرامات: كان كل هرم يوجد حوله سوران واحد داخلى وآخر خارجى، وكان السور الداخلى يحدد فناء الهرم وهو عبارة عن المنطقة المقدسة والتى كان يسمح فقط للكهنة بالمرور فيها، وقد بنيت هذه الأسوار من الحجر أو الدبش وكل الأسوار فى الدولة القديمة لم تكن عليها نقوش أو مناظر، ولكن فى الدولة الوسطى كان يكتب عليها ألقاب الملك، مثل الملك أسوار، الملك سنوسرت الأول فى اللشت، وأهم الأسوار الظاهرة هى أسوار الملك منكاورع.
3- المعبد العلوى (المعبد الجنائزى): يقع المعبد الجنائزى دائما فى الناحية الشرقية من الهرم، ولكن المعبد الوحيد الذى لا يتبع ذلك القانون هو معبد الملك أوسر كاف، حيث تم نقل المعبد من الشرق بسبب طوبوغرافية المكان، أى عدم وجود مكان ملائم فى الشرق. وفى الأسرة الرابعة كان المعبد عبارة عن معبد صغير بسيط، لكن منذ الأسرة الخامسة بدأ يظهر فى هذه المعابد المخازن الشمالية والجنوبية، وقد كانت هذه المعابد تزين بالمناظر. هذا بالإضافة إلى أن هذا المعبد كان مخصصا لعبادة الإله رع، إله الشمس، وقد أطلعتنا البرديات التى عثر عليها فى أبوصير، وأهمها برديات الملك نفر إير كارع والتى تشرح لنا كل الأعياد التى كان يحتفل بها، بالإضافة إلى الكهنة والموظفين المسؤولين عن إحياء عقيدة الملك.
4- الأهرامات الجانبية: تنقسم الأهرامات الجانبية إلى قسمين: الأول هى أهرامات خاصة لدفن الملكات، وهذا النوع من الأهرامات يعثر داخله على حجرة الدفن والتابوت، بالإضافة إلى بعض المقتنيات الأثرية التى وضعت للدفن، ولدينا العديد من الأهرامات الجانبية للملكات المعروفة أسماؤهن. وهناك فى بعض الأحيان كما فى الدولة الوسطى يصل عدد تلك الأهرامات داخل مجموعة الملك الى تسعة أهرامات للملكات. أما النوع الآخر فهو الهرم العقائدى وأول دليل لذلك هو المقبرة الجنوبية فى مجموعة الملك زوسر. وقد كشفت عن الهرم العقائدى الخاص بالملك خوفو، وذلك فى الجانب الجنوبى الشرقى من الهرم، وأن شكل الهرم الجانبى هو عبارة عن نسخة طبق الأصل من الهرم الأصلى، خاصة التصميم الداخلى. وهناك العديد من الآراء التى حدثتنا عن وظيفة الهرم الجانبى، ومنها أنه كان يمثل الملك باعتباره ملكا للوجه القبلى، بينما الهرم الآخر كملك للوجه البحرى. وقيل أيضا إنه كان مخصصا لدفن التيجان الملكية أو أنه يخص عقيدة الشمس أو لدفن الأوانى الكانوبية التى تحوى أحشاء الملك.
ولكن من خلال دراستى للمجموعة الهرمية ووظيفتها، وجدت أن الهرم الجانبى كان مخصصا لقيام الملك بدخوله وهو يلبس رداء احتفال عيد «السد، بكسر السين» القصير حاملا الشارات والتيجان، وبعد ذلك يقوم بطريقة رمزية بخلع الرداء والتيجان ويلبس النقبة ويحمل فى يده المذبة أو الشارات الملكية ويخرج من الهرم إلى الساحة المقابلة، ويقوم بعمل رقصة عيد «السد»، وقد أشرت من قبل إلى أن الاحتفال بعيد «السد» لم يكن يقصد به أن يظهر الملك قوته على حكم مصر، لكن السبب فى الرقصة أن الملك يعلن أنه قد أنجز كل ما طلبه منه الإله. ولذلك فهو جاهز لأن يصبح إلها مثله، فقد قام ببناء المقبرة لنفسه ومعابد لكى يتعبد فيها لنفسه وللآلهة وهزم أعداء مصر وقدم القرابين للآلهة وقام بالحفاظ على وحدة مصر العليا والسفلى.
5- حفرات المراكب: تقع حفرات المراكب حول المعبد العلوى، وأولى هذه الحفرات ظهرت مع الملك خوفو، اثنتان فى الجنوب داخلهما أخشاب المراكب. وفى الجانب الشرقى حفرتان كسيتا بالأخشاب على شمال وجنوب المعبد العلوى وحفرة خامسة شمال الطريق الصاعد، وبعد ذلك بدأت تظهر حجرات المراكب مع جدف رع وخفرع ولم تظهر مع منكاورع أو خلال الأسرات الخامسة أو السادسة، لكن ظهرت حوالى أربع عشرة حفرة مركب بجوار شونة الزبيب بأبيدوس، وكذلك مراكب صغيرة عثر عليها دى مورجان بدهشور وهم ثلاثة بجوار هرم الملك «سنوسرت الثالث»، وبعد ذلك عثر على ثلاثة مراكب أخرى.
هذه المراكب ليست مراكب جنائزية. والمركبان الموجودان شرق هرم خوفو هى خاصة بالملك خوفو فى شكل الإله رع لكى يقوم بهما برحلة الليل «مسكتت»، ورحلة النهار و«معنچت»، وأن الإله كان يستعمل المجاديف لقتل الأرواح الشريرة لكى يخلص العالم الآخر من الشر، وبالتالى يعبده الناس، أما المركبان الواقعان شمال وجنوب المعبد العلوى فكانا يخصان الملك باعتباره الإله الصقر «حورس» وهو يقوم بتوحيد شمال وجنوب مصر، أما الخامس فكان يخص الإلهة حتحور.
6- الورشة: كانت تتواجد ضمن المجموعة الهرمية، وكان للورشة وظيفة مهمة فى البداية فكان يصنع بها البرنامج الأساسى للتماثيل والقطع الأثرية التى توضع داخل المعابد العلوية والمعابد السفلية، وكان هناك جزء آخر داخل الورشة يعرف باسم «وعبت» لطقوس التطهير.
7- الطريق الصاعد: كان الطريق الصاعد يربط بين المعبد السفلى (معبد الوادى) والمعبد العلوى (المعبد الجنائزى)، وكان أول دليل للطريق الصاعد بهرم الملك سنفرو بميدوم، لكن لا يوجد دليل على أن الطريق الصاعد كان مزينا بالمناظر، وكان هناك الطريق الصاعد للهرم المنحنى الملك سنفرو بدهشور. وبعد ذلك رأينا الأهرامات الثلاثة بالجيزة لها طرق صاعدة، ويعتقد أن الطريق الصاعد لهرم الملك خوفو كان مسقوفا ومزينا بالنقوش والمناظر. وأغلب الطرق الصاعدة الخاصة بالأسرتين الخامسة والسادسة كانت مزينة بالمناظر.
8- المعابد السفلية: يطلق عليها أيضا معابد الوادى، ولدينا أول دليل لمعبد الوادى من الأسرة الرابعة من عصر الملك سنفرو بدهشور. حيث عثر عالم المصريات، أحمد فخرى، على المعبد السفلى مزينا بالمناظر. وقد عثرنا على أدلة لوجود معبد الوادى الخاص بالملك خوفو، ولدينا فى الدولة القديمة حوالى ثمانية معابد للوادى، أكمل هذه المعابد هو معبد الملك خفرع، وكانت كل معابد الأسرتين الخامسة والسادسة مزينة بالمناظر.
9- المدينة الهرمية: كانت تقع فى الغالب بجوار معبد الوادى، وكان يعيش فيها الكهنة والموظفون المسؤولون عن إحياء عقيدة الملك المتوفى وكانت تسمى على اسم الهرم، وكان رئيس هذه المدينة يحمل لقب «إمى - را، JmJ - r3». ولا توجد لدينا أدلة للمدينة الهرمية بالجيزة غير تلك المتصلة بالملك منكاورع، وكذلك الملكة خنتكاوس وكذلك بدهشور ومدينة كاهون من الدولة الوسطى بالفيوم.
10- الميناء: لدينا أدلة من الدولة القديمة أن المصريين القدماء قاموا بشق نهر النيل فى الناحية الغربية من النهر الحالى، وكان يبدأ من دهشور إلى ناحية الجيزة، وهذا النهر مازال موجودا على الخرائط ويحمل اسم «النهر الليبينى»، وكان هذا النهر متصلا بقناة تصل إلى مناطق الأهرامات ومتصلة بموانئ. وقد كشفنا فقط عن ميناءين من الدولة القديمة، أحدهما يخص الملك خفرع، وذلك أمام معبد أبوالهول. والميناء الثانى يخص الملك خوفو فى القرية التى تقع شرق نزلة السمان. وكان يتم نقل الأحجار الجرانيتية من أسوان والألباستر من حتنوب بالمنيا والبازلت من الفيوم. ويشير رئيس العمال مرر فى بردية وادى الجرف إلى أنه ذهب ومعه أربعون عاملا، وذلك لقطع الأحجار الجيرية لكسوة الهرم ونقلها عن طريق مراكب إلى ميناء منطقة الهرم.
11- الوقف: كان الملك قبل أن تصعد روحه إلى السماء يقوم بتخصيص منطقة تعرف باسم «الوقف»، وكان الوقف عبارة عن مزرعة «Estate» تقوم بالصرف على إحياء عقيدة الملك، وكانت توجد بها محاصيل زراعية وحيوانات أليفة ولا يوجد أى دليل أثرى على وجود الوقف، بل إن النقوش والمناظر الممثلة على المجموعة الهرمية تشير إلى ذلك، وكان نصف إنتاج الوقف يتم توزيعه للملك الحى والنصف الآخر يتم إنفاقه على إحياء عقيدة الملك.
12- القصر: كان من المعتقد أن الملك يعيش فى قصره داخل العاصمة منف، لكن اتضح، من خلال النص الموجود داخل مقبرة سنچم إيب إنتى بالجيزة، أن الملك چد كارع إسيسى فى الأسرة الخامسة كان يعيش داخل قصره المجاور للهرم، هذا بالإضافة إلى وجود أدلة ببردية وادى الجرف تشير إلى أن قصر الملك خوفو كان يوجد بالجيزة.
13- التجمع العمالى: لم يعثر على مقابر للعمال فى الدولة القديمة غير تلك الموجودة فى منطقتى دهشور والجيزة، وعثر فى منطقة اللاهون على مدينة العمال، لكن منطقة الجيزة تمتاز بوجود منطقة كاملة يوجد بها الجبانة السفلية والتى دفن فيها العمال الذين قاموا بنقل الأحجار. وكانوا يأتون عن طريق العلائلات الكبيرة الموجودة فى صعيد ودلتا مصر. يوجد أعلاها الجبانة العلوية وهى التى عاش فيها الفنانون والنحاتون والعاملون الفنيون فى بناء الهرم، وقد عثرنا على أكثر من اثنى عشر لقبا لهؤلاء العمال، ومنها ألقاب المشرف على الجانب الغربى للهرم والنحاتون والفنانون، والمنطقة شرق المقابر توجد بها أماكن المعيشة وإنتاج الطعام، وقد كان هناك حائط يعرف باسم «حائط الغراب» يفصل بين الهرم ومناطق العمال.
14- مدخل الهرم را- شى r3-she: ذكرت فى بردية أبوصير، لكن وجدنا تفسيرا لها عن طريق بردية وادى الجرف، وتشير إلى أن را- شى كانت مدخلا لمنطقة الهرم، وقد ذكرها رئيس العمال مرر، وأشار إلى أنه عندما وصل إلى هذه المنطقة فقد استغرق يوما كاملا لكى يذهب منها حتى وصل إلى الهرم، ولذلك نعتقد أن هذا المدخل كانت الأحجار تدخل وتعد، وكذلك العمال الذين يحضرون من المناطق المجاورة للعمل فى بناء الهرم، وكذلك أنواع الحيوانات والمأكولات التى تأتى من عائلات الصعيد والدلتا، وكان المسؤول عن إدارة هذا المكان هو «عنخ- خاف» والذى يعتقد أنه تولى إدارة بناء الهرم بعد حم- إيونو