كان يجب أن توجه الدعوة إلى صديقى الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة والسكان لحضور الاحتفال الكبير الذى أقيم بالمتحف المصرى بالتحرير، بمناسبة عرض مقصورة حسى رع، الذى حمل لقبا طبيا مهما بالقصر الملكى فى عهد الملك زوسر أول ملوك الأسرة الثالثة والذى حكم مصر فى حوالى ٢٦٤٠ قبل الميلاد. وحسى رع هو أول طبيب أسنان نعرفه فى تاريخ البشرية وبالطبع فى تاريخ الطب، ولم يكن حسى رع مجرد طبيب بل كان كبير أطباء الأسنان والطبيب الملكى المسؤول عن صحة وسلامة أسنان الملك والعائلة الملكية. اهتم الفراعنة بعلوم الطب وكانوا أول من تخصصوا فيه فكان هناك طبيب العيون وطبيب الأسنان بل والجراح المتخصص فى إجراء الجراحات وتجبير العظام المكسورة. والمدهش أنه كان هناك الأطباء البيطريون المتخصصون فى علاج الحيوانات.
لقد قمت بالكشف عن جبانة تخص مجموعة من أطباء الأسنان يعود تاريخهم إلى الأسرة الخامسة من الدولة القديمة. ولذلك نعرف أن الدولة القديمة- عصر بناة الأهرامات- كانت متقدمة فى العلوم الطبية وليس فقط علوم الرياضيات والهندسة والفلك، والتى ساعدتهم على إقامة عمائر أقل ما يقال عنها أنها معجزة مثل الأهرامات. كان إيمحوتب المهندس المعمارى الذى بنى هرم زوسر المدرج بسقارة من عظماء الطب بل واعتبره الفراعنة فى العصور المتأخرة إلهًا للطب وشبهوه بـ إسكيلبيوس إله الطب عند اليونان. ويبدو أن سقارة كانت هى الجبانة المفضلة لأطباء الدولة القديمة.
دعانى الدكتور على عبد الحليم مدير عام المتحف المصرى لحضور الاحتفال الكبير الذى يتوج المجهود العظيم الذى تم فى ترميم اللوحات الخشبية الجنائزية الخاصة بكبير الأطباء حسى رع، ووضعها فى إطارها الأثرى الذى كانت عليه من قبل وقد فوجئت بالحضور الكبير للأثريين والعديد من المهتمين بالآثار المصرية، وقد جاءت هذه الاحتفالية فى رأيى مناسبة جدًا للاحتفال بالدكتور محمد إسماعيل خالد لتوليه مسؤولية أمانة المجلس الأعلى للآثار، وكذلك لكى يعرف العالم أن افتتاح المتحف المصرى الكبير ومتحف الحضارة لن يسحب البساط إطلاقا من المتحف المصرى بالتحرير الذى سيظل أهم وأعظم المتاحف التى تعرض فنون الفراعنة على مدار التاريخ الفرعونى. لكن من الضروى جدًا التسويق للكنوز التى ستظل بهذا المتحف والاستمرار فى عمل مثل تلك الفعاليات حتى يظل المتحف المصرى بالتحرير على رأس المزارات السياحية فى مصر.
إن فكرة وجود متاحف مثل المتحف المصرى الكبير ومتحف الحضارة بالقاهرة إلى جانب متاحف مثل المتحف المصرى بالتحرير ومتحف الفن الإسلامى والمتحف القبطى، تبناها صديقى الوزير فاروق حسنى الذى يعتبر من أعظم وأهم وزراء الثقافة فى مصر. وذلك لما حققه من إنجازات عظيمة شاهدة على تاريخه، حيث تولى الوزارة وهو فى سن الشباب. واعتقد البعض فى ذلك الوقت أن المنصب أكبر منه!، لكنه انتصر بالعمل الجاد المحترم وقام بعمل حراك ثقافى فى مختلف المجالات الثقافية شهد له العالم كله. إن مصر بحضارتها وكنوزها التى لا مثيل لها على مر التاريخ تستحق أن تغزو العالم كله.
فى مكالمة تليفونية بينى وبين صديقى دكتور عبد المنعم عمارة الذى يعتبر من أهم محافظى الإسماعيلية وأهم وزير للرياضة والشباب فى مصر، قال لى إنه سعيد جدا بالتغيير الأخير لوجود شخصين على مستوى عال من الجهد والأداء ويتوقع لهما تحقيق إنجازات عظيمة: الأول هو اللواء أكرم جلال محافظ الإسماعيلية الذى سوف يعيد الليالى الثقافية لمدينة الإسماعيلية، والثانى هو دكتور أحمد هنو وزير الثقافة. وقال الدكتور عمارة عن الوزير أحمد هنو إنه يذكره بفاروق حسنى لأنه تولى الوزارة تقريبًا فى نفس سنه ونتوقع منه أن يعيد لوزارة الثقافة مكانتها التى ضاعت فى الفترات السابقة. نتمنى أن تعود الثقافة للمواطن فى المحافظات والقرى ونرى دورا جديدا وهاما لقصور الثقافة.
أعود إلى الرؤية التى تبناها فاروق حسنى وعملت معه لمدة عشر سنوات لتحقيقها؛ أولًا بناء متحف للحضارة وتم اختيار موقعه الرائع فى عين الصيرة، بحيث يطل المتحف على الأهرامات والقاهرة التاريخية بما فيها من مساجد وكنائس. وقد قمنا بالانتهاء من بناء المتحف بالكامل فى عام ٢٠١٠. وللأسف لم يتمكن صديقى الدكتور أحمد غنيم من استكمال قاعات العرض وتفعيل الدور الحضارى للمتحف نظرا لضعف الإمكانيات المتاحة بعد كل ما مر بنا من أزمات بعد فوضى يناير ٢٠١١ وما تلاها من أحداث. كانت رؤيتنا أن أيقونة هذا المتحف التى ستجعل السائحين يحرصون على زيارته هو وجود المومياوات الملكية التى عرضت على مستوى عال، ولأول مرة نرى عرض المومياوات بطريقة علمية حضارية وليست للإثارة. وهذه الرؤية هى التى اخترناها لهذا المتحف بحيث يدخل الزائر وكأنه داخل مقابر وادى الملوك.
أما المتحف الثانى الذى افتتح الأربعاء الماضى فهو المتحف المصرى الكبير وهذا الافتتاح يطلق عليه افتتاح تجريبى. أى أن الافتتاح الكبير سوف يحدث بعد انتهاء الظروف العالمية من الحروب التى تشنها إسرائيل على الدول العربية فى فلسطين ولبنان. الآن يستطيع الزائر أن يرى الملك رمسيس وآثار الدرج العظيم والقاعات التى يوجد بها كنوز مصر. ولكن قاعات الملك العظيم توت عنخ آمون سوف تنتظر الافتتاح الكبير لذلك فإن البطل فى هذا المتحف هو توت عنخ آمون. يضم المتحف المصرى أعظم كنوز الفراعنة أى أن الزائر الأجنبى سوف يستمتع بزيارة المتاحف الثلاثة وهذا يزيد من الليالى السياحية.
أعود إلى احتفال المتحف المصرى بانتهاء ترميم وإعادة عرض لوحات حسى رع، فقد حضر اللقاء العديد من المثقفين ولكن المهم هنا هو التعاون المصرى الفرنسى فى سبيل عمل إضافة عظيمة لهذا المتحف، وقد حضر السفير الفرنسى إيريك شفلير. وهنا نقول إننا أمام سفير جديد على مستوى عال من الأداء؛ همه الأكبر هو تطوير العلاقات المصرية الفرنسية. وللسفير اهتمام وعشق كبير للآثار المصرية. ونعرف أن الفرنسيين كان لهم دور كبير فى الاهتمام بحضارة مصر. وقد احتفلنا من قبل بماريت باشا- أول مدير لمصلحة الآثار المصرية أو الأنتيكخانة كما كان يطلق عليها. وقبر ماريت باشا لا يزال موجودًا فى حديقة المتحف المصرى بالتحرير. وقد سافر الدكتور محمد إسماعيل والسفير الفرنسى إلى الأقصر للاحتفاء بالمشروع المصرى فرنسى بالكرنك. وهناك إنجازات عظيمة تمت بالمعبد حتى الآن.
حضر احتفال المتحف أيضا من الجانب الفرنسى بيير تاليت وهو مدير المركز الفرنسى بالقاهرة وأيضا الفنانة الفرنسية أنيتا كويلز التى عملت مع المصور دكتور إسلام عزت لترميم اللوحات الست الخشبية الخاصة بكبير أطباء الأسنان وتحدثت أنيتا بأسلوب رائع وجميل وشكرت الأستاذة صباح عبد الرازق مديرة المتحف المصرى السابقة، لأن المشروع بدأ فى عهدها واستكمل مع الدكتور على عبد الرحيم الذى قدم المتحدثين. وتحدث مؤمن عثمان رئيس قطاع المتاحف وبير تاليت الذى قام بأعظم كشف أثرى حتى الآن وهو كشف بردية وادى الجرف التى تحدثنا لأول مرة عن بناء هرم الملك خوفو. استطاع بيير أن يترجم هذه البردية ويرممها. وتحدث أيضا السفير الفرنسى وبدأ كلمته بالعربية وشكر الجانب المصرى وكذلك قسم الدراسات الأركيومترية التابع للمعهد الفرنسى للآثار الشرقية بدعم من المعهد الفرنسى فى مصر ومؤسسته مشيلا شيف جورجينى.
بدأ المشروع فى عام ٢٠٢١ لتوثيق وترميم اللوحات الخشبية الست لمصطبة الطبيب حسى رع، ومن أهم ما تم عمله أن تم وضع اللوحات بعد ترميمها فى محاكاة للمصطبة الأصلية أى أن زائر المتحف المصرى يستطيع أن يرى تصويرا رائعا للمقبرة الأصلية وقد تم ترميم اللوحات. واتضح أن الخشب الذى استعمل فى اللوحات فى العهد الفرعونى هو سنط نيلى رغم أن العلماء من قبل اعتقدوا أن الخشب جاء من لبنان ولذلك تم إعادة بناء المقبرة بالمتحف بمدخل وجزء من الممر الغربى الذى يحتوى على النيشات التى وجدت فيها هذه اللوحات، ويقابلها جداران بالملاط والرسوم الجدارية وقد قام المرممون ببناء العرض بالطوب اللبن أما قصة حسى رع، فقط حمل ألقابا هامة جدا منها ألقاب دينية ولقب كبير الأطباء فى عهد الملك زوسر من عام ٢٦٤٠ قبل الميلاد. ويظهر شكل المقبرة أهمية صاحبها الذى دفن فى شمال سقارة فى جبانة أطلق عليها علماء الآثار اسم جبانة النخبة والمصطبة التى دفن بها طولها ٣٠ مترا. جاء دور دكتور محمد إسماعيل الذى تحدث دون ورق أمامه، وأطلع الحاضرين على معلومات هامة تخص المتحف المصرى. وجاءت كلماته وكأنها تدخل قلوب الحاضرين وقلت لصديقى الدكتور ممدوح الدماطى وزير الآثار السابق: انظر إننا أمام شخص عالم متعلم يعرف كيف ينتقى الكلمات العلمية البسيطة التى أسرت قلوب الحاضرين.
نرى أن شكل لوحات حسى رع تتشابه مع اللوحات المنحوتة من الحجر الجيرى للملك زوسر، مما يؤكد أهمية حسى رع الذى كان مقربا من الملك. وقد يكون فى نفس مكانة إيمحوتب. وكان يحمل ألقابًا مثل رئيس الكتبة الملكيين، وله دور كبير فى الزراعة والبعثات الملكية وكان إداريًا عظيمًا ويظهر بأدوات الكتابة القلم واللوحة وحقيبة الأصباغ. ويظهر حسى رع إما ممسكا بأدوات الكتابة أو وهى موضوعة على كتفه. وكانت له ألقاب كهنوتية مثل (مميت) إله الأسد المرتبط بالكتابة ولكن أهم لقب هو رئيس أطباء الأسنان وهذا أول لقب نعرفه لهذه الوظيفة الهامة التى تعود إلى بداية العصر الفرعونى فى الأسرة الثالثة. كشف العالم الفرنسى أوجست ماريت ودى مورجان هذه لوحات عام ١٨٦١ وبعد ذلك جاء كويبل عام ١٩١١ و١٩١٢ وهو الذى كشف عن اللوحة السادسة، بينما الخمس لوحات الأخرى كشفها ماريت ودى مورجان ونقلها إلى متحف بولاق وأدخلت المتحف المصرى عام ١٩٠٢، والآن نحتفل بوجود مقبرة جديدة رائعة وقد أعلن دكتور محمد إسماعيل أن كل الاكتشافات الجديدة سوف تعرض بالمتحف المصرى بالتحرير.