بقلم - زاهي حواس
سأظل أؤكد دائما وأكرر أن ما قلته بأن ما تم كشفه إلى الآن من آثار الفراعنة لا يذكر قصة خروج بنى إسرائيل من مصر، ولا يتعارض مع ما جاء فى الكتب السماوية. لسببين شرحتهما فى مقالى السابق فى نفس المكان ولا مانع من توضيحهما هنا أيضا لمن لا يزال الأمر ملتبسا عليه، أما هؤلاء المتربصين من أكلى لحوم البشر فلا نلتفت إليهم ولا نجادلهم ولا نعيرهم وزنا! السبب الأول هو أننا لم نكتشف كل ما تركه لنا الفراعنة، وما لدينا هو القليل وما فى باطن الأرض لا يزال هو الكثير. إننا نتحدث عن حضارة ممتدة لآلاف السنين أسهمت وأبدعت فى كل المجالات ومع كل كشف أثرى جديد نتأكد بأن حجم معلوماتنا عن هذه الحضارة العظيمة لا يزال قليلا. أما السبب الثانى لعدم ذكر قصة الخروج أو حتى ذكر قصص أنبياء الله فى مصر هو فى الحقيقة ناتج عن طبيعة تلك الآثار نفسها والتى هى إما معابد أو مقابر أو مدن عمال أو بقايا منازل وأدوات حياة يومية. وبالتالى لا يمكن أن نتوقع أن نجد قصة الخروج مخلدة على جدران معابد كرست لعبادة أمون ورع وحورس وبتاح وحاتحور وغيرهم من آلهة الفراعنة. أو أن تجد ذكرا لأنبياء الله على جدران مقابر الفراعنة والتى كرست لمشاهد من الحياة اليومية للمتوفى فى بيته وعمله، أو علاقته بالآلهة السابق ذكرها، أو تسجيل للكتب الدينية المختلفة مثل متون الأهرامات ومتون التوابيت، وكتاب الموتى، وكتاب البقرة السماوية، وكتاب الكهوف وكتاب البوابات، وغيرها من الكتب الدينية الجنائزية ومجرد ذكر أنبياء الله يهدمها ويجعل وجودها والعدم سواء.
والحقيقة أن ما جعلنى أتعرض لهذا الموضوع فى مقال ثان هو أننى وجدت الكثير من القامات من علماء الدين والثقافة والعلوم المختلفة والإعلام يكتبون مدافعين عنى، واضعين ما قلته فى سياقه الصحيح دون اختزال أو تحريف، ولا يتسع المقام هنا لذكر هؤلاء بالاسم أو تكرار ما أدلوا به من تصريحات وما أعلنوه عبر وسائل الإعلام أو ما كتبوه ونشروه من مقالات. لكنى سمعت ما قاله الإعلامى القدير محمود سعد، وما ذكره الدكتور سعد الدين الهلالى فى برنامج الحكاية الذى يقدمه عمرو أديب وقد أكد بأن ما قلته ليس ضد الدين. وقد كتب صديقى الدكتور محمد الباز مقالا بعنوان «زاهى حواس المفترى عليه والمفترى علينا». وسمعت ما قاله الدكتور وسيم السيسى والذى على الرغم من مساحات الخلاف بيننا إلا أنه وقف بشجاعة مدافعا وموضحا أن علم المصريات إلى الآن لم يكشف لنا عن قصة خروج بنى إسرائيل من مصر! فماذا يمنع أن يكشف هذا العلم ويثبت ما ورد فى القرآن الكريم والتوراة غدا أو بعد عام أو قرن من الآن؟ بالتأكيد لا شىء يمنع، ولا يعلم الغيب إلا الله. وأخيرا هل معنى أننى مسلم أؤمن بالله وبرسوله وما جاء فى كتابه الكريم أن أخرج على الناس قائلا ما لم يحدث؟ مثل أننا كشفنا آثارا تؤيد خروج بنى إسرائيل من مصر! وأننا كشفنا اسم فرعون الخروج، وأسماء السحرة الذين عذبهم بعد إيمانهم بما نزل على موسى؟! بالطبع لا، فالعلم أمانة، وإذا فقدنا الأمانة فلن نتعلم شيئا، ولن نفيد أو نستفيد.
لقد فوجئت بإحدى الأثريات من أبنائى وتلامذتى تسمى أميمة وتعمل أمينة متحف البريد تتصل بى لتقول لى إنها وبينما هى فى المترو وجدت بعض الأشخاص يتحدثون عن موضوع الخروج ونبى الله موسى عليه السلام، وانضم إليهم أغلب الجالسين فى عربة المترو وكانوا للأسف مقتنعين بأننى أكذب ما جاء فى القرآن الكريم! لكن أميمة استطاعت أن تشرح لهم أن هذا لم يحدث وأوضحت لهم الحقائق العلمية الخاصة بالموضوع.
أما العجيب فى أمر هذه الحملة الشرسة من أكلى لحوم البشر وراغبى الشهرة الحرام أنها تتزامن مع الحملة التى يقوم بها أحد المواقع العبرية والتى تبث سمومها من إسرائيل. وقد نوهت عن تلك الحملة فى مقال الأسبوع الماضى. والجديد أن البعض من الأصدقاء والمقربين على يقين بوجود رابط بين كلتا الحملتين؟
هذا وأود أن أوضح أن الموقع العبرى الذى نشر أننى ضد الكتاب المقدس وأننى أكره إسرائيل ادّعوا أننى أدليت بحديث لصحيفة إسرائيلية. وبالطبع لم يحدث هذا على الرغم من أنهم حاولوا كثيرا من قبل، وكنت ولا زلت رافضا. إنهم يحاولون دائما نشر أكاذيب بأننى ضد السامية وكاره لإسرائيل ولليهود. بينما الحقيقة أننى لست ضد الديانة اليهوديه وأنبياء بنى إسرائيل الذين يتحتم على كل مسلم الإيمان بهم وما أنزل عليهم. وقد حدث الشهر الماضى أن سافرت لإلقاء محاضرة بمتحف فى أستراليا بمدينة سيدنى، وقام المسؤول عن القناة السابعة بإرسال رسالة إلى المتحف يعترض على حضورى لأننى ضد السامية! وأرسلت وقلت كيف أكون ضد السامية ونحن المصريين من جذور سامية. بل وأننى أول أثرى مصرى مسلم يرمم المعابد اليهودية.
وتعود جذور موضوع معاداة السامية إلى يوم مشاركتى فى مظاهرة سلمية قمت بها وأنا طالب فى جامعة بنسلفانيا عام 1981 عندما قامت إسرائيل بقتل الأطفال فى لبنان وشاهدنا دماء الأطفال أمامنا ولذلك قمت بالحصول على تصريح من الشرطة وقمنا بمظاهرة سلمية يشترك فيها الطلاب العرب بل والعديد من طلاب الجامعة ومنهم طلاب يهود الكل يعترض على قتل الأطفال والأبرياء.
عودا إلى مقال الدكتور الباز والذى تعرض إلى قصة الأثرى اليهودى مانفرد بيتاك وعمله فى مصر، وكذلك القول بوجود يهود آخرين يعملون فى مصر. بداية فإن العاملين فى الآثار نفوا ذلك تماما. ومن جانبى لابد من التوضيح بأن أى بعثة أجنبية تعمل فى مصر لابد أن تحصل على موافقة من كل الجهات الأمنية. أى أن المجلس الأعلى للآثار ليس من حقه أن يقول بأن هذا الشخص يهودى أم لا! وأنا شخصيا لست ضد اليهود إطلاقا وإنما ضد الصهيونية المستعمرة.
كان مانفريد بيتاك يعمل فى مصر كرئيس للبعثة النمساوية وكان يعمل منذ أن كان الدكتور جمال مختار رئيسا لهيئة الآثار وكان صديقا لى ولكل الآثريين ولم أشكك لحظة فى نواياه ولكن عندما قمت بالإشراف على عقد مؤتمر المصريات العلمى بالقاهرة وجدت أن هناك عالمة آثار إسرائيلية قامت بالتسجيل ودفعت الرسوم عن طريق الخطأ، لذلك أمرت بأن يرسل لها قيمة التسجيل ولا تقبل كعضو فى المؤتمر. عندها أتى مانفريد بيتاك ليعترض! وطلب منى إعادتها ورفضت تماما وقال بأن كل علماء الآثار الكبار سوف يقاطعون المؤتمر وقلت له أوافق على ذلك! ولم يقاطع أحد المؤتمر وهنا ظهرت نواياه. وفوجئنا بأن جامعة بن جوريون منحته مؤخرا الدكتوراه الفخرية. وهو منذ مدة طويلة ممنوع من العمل فى مصر. وقد حاول بيتاك عندما عثر على اسم يعقوب حر على خاتم ونشره على أنه النبى يعقوب ولكن كل علماء الآثار أشاروا إلى أنه يعقوب حر هو اسم لحاكم، وأن المقبرة الجماعية التى تشير إلى حدوث الطاعون ومات أصحابها جميعا! ليس لدينا دليل على حدوث الطاعون فى الدولة الوسطى.
وأخيرًا أؤكد أننى إلى الآن لا أعرف اسم الفرعون الذى غرق بعد مطاردة موسى. وهنا وللمرة الأخيرة أنا لا أنفى الخروج إطلاقا وأؤكد أننى مؤمن بأن التجلى حدث فى سيناء الطاهرة. وكل الشكر للدكتور الباز على مقاله العلمى المحترم. وهناك مقال آخر بقلم الشيخ أحمد تركى بعنوان عفوا دكتور زاهى حواس لعلم المصريات رأى آخر! أما الرأى الآخر الذى عرضه دكتور نديم عبد الشافى فلم أجد أنه رأى آخر وأن دكتور عبد الشافى يتحدث عما جاء فى الكتب السماوية وأكد الدكتور أحمد بأننا لا ننكر ما جاء فى القرآن الكريم ولا يجوز لأى شخص أن يجادل فى كلام الله. أرجو أن نغلق هذا الحديث. وأن تراجع الصحف والمجلات الصفراء نفسها فى العناوين المثيرة التى نشرتها لنشر الفتنة، وافتعال قضية رأى عام للشهرة على أمل أن تبيع بعض الأعداد التى تطبعها