ما بعد المعاش

ما بعد المعاش!

ما بعد المعاش!

 صوت الإمارات -

ما بعد المعاش

بقلم - عبد المنعم سعيد

 

سوف نترك جانبًا القضايا الكبرى التى تبدأ بمصير الإنسانية المعلق ما بين الحر والبرد، وفساد الهواء ونسيمه، والغش الواقع ما بين سكان الأرض حول من يتحمل مسؤولية الاحتباس الحرارى: الدول التى اخترعت آلة الاحتراق الداخلى التى تعيش على الطاقة الأحفورية وأخرجت منها مخترعات للسيارات والطائرات والسكك الحديدية؛ أم هى الدول النامية التى بات عليها أن تعيش الاحتباس الذى تسببت فيه الدول التى نمت وبات عليها أن تعوض الدول الفقيرة التى تتحمل الكثير من الفيضانات وتكاليف أجهزة التكييف التى اخترعتها الدول الأولى وقامت الأخيرة باستيرادها.

الحروب المعلنة فى أوروبا والشرق الأوسط لم تنته بعد، ويبدو أن انتظار ما لم يعلن ولا يزال باردًا فى شرق آسيا سوف يكون انتظارها لا يقل عذابًا؛ هى أيضًا تستحق، ولو من وقت لآخر، ألا تُترك جانبًا. منذ فترة ليست بعيدة فإن عمود الزميل والصديق عبدالله عبدالسلام حكى عن تجربته مع الخروج على المعاش من أول انتظاره حتى تجاوزه والنظر فيما بعده ولو أنه نظر إلى الجانب الآخر من الصفحة حيث عمود الأخ والصديق د. مصطفى الفقى سوف يجد كيف أن مهنة القراءة والكتابة فيها الكثير من خلاص كل الهموم التى ترد على تلك اللحظة التى تولد فقدانًا لما كان منتظمًا، وانتظارًا قلقًا لما لا يمكن حسابه. أذكر أن البروفسير «توماس وايجل» كان متخصصًا فيما يسمى «السياسة الحيوية أو Biopolitics» وتهتم بتأثيرات الحالة الجسدية والعقلية على العمل السياسى خاصة فى أوقات الأزمات.

كنت مساعدًا للرجل فى جامعة شمال ألينوى وحينما عد فى محاضرته تأثير أحداث «الفقدان» للأب أو الأم أو العمل أو الخروج على المعاش وغيرها كان يجرى مشابهة مع حالة «الأزمة» التى سوف تؤثر على ما يسربه الجسد من سلوكيات القادة والزعماء ويمكن رصدها، واستخدامها فى إدارة الأزمة.

تفاصيل ذلك يمكن حكيها فى وقت آخر، ولكن الذى لا شك فيه أن لحظة الخروج على المعاش هى لحظة فارقة فى الحياة البشرية؛ ولكنها لحظة تختلف من إنسان إلى آخر. سابقًا أشرت إلى د. مصطفى الفقى كيف أن غزارته الإنتاجية فى الفكر والرصد والحكى ربما مرت عليه هذه اللحظة بشكل فى الحقيقة خلاق.

ما أدهشنى كان عندما خرج من رئاسة الجمهورية عندما كان مسؤولًا عن مكتب المعلومات الرئاسية، لم أكن أعرفه شخصيًا فى تلك الأيام، ولكن أكثر ما أدهشنى وأثار إعجابى أنه خلال ذلك العام أخرج أربعة كتب غزيرة الفكر وغنية المحتوى وعذبة ومثيرة الأسلوب. أ. عبدالله عبدالسلام لديه الكثير من ذلك؛ ورغم الفارق الكبير فى العمر فإن العاملين فى مهنة الفكر والصحافة والسياسة ربما لديهم حظ كبير فى هذا الشأن حتى ولو كان صاحبها مسؤولًا عن إصدار صحيفة أو مسؤولًا عن إمداد رئيس الدولة بالمعلومات السعيدة أو الكارثية لا فرق.

بالنسبة لى فلعلنى لم ألحظها فى عام 2008 عندما تجاوزت فجأة سن الستين عندما كنت مديرًا لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية للعام الرابع عشر على التوالى. وقتها لم يكن الأهرام يمانع فى مد الفترة إلى سن الخامس والستين؛ ولكن القضية لم تكن لحظة زمنية فارقة بين عهد وعهد بقدر ما كانت كيف يمكن تفريخ المخزون الذى تراكم على مدى عقود من السنين؛ والحقيقة أنها تظهر بوضوح باهر لدى الزميل العزيز فى أعمدته سواء كانت فى الأهرام من قبل أو فى المصرى اليوم الآن.

تجربة الكتابة فى عمومها ممتعة وشبه مغذية ويمكنها أحيانًا أن تستبعد الزمن من المعادلة؛ هى تحتاج رغم خلوها من الحركة إلى درجة من الانضباط الغذائى وبعض من الرياضة المنتظمة وصبر غير قليل فى التعامل مع الأرق. القراءة الممتعة القريبة من القلب والعقل فى الروايات والتاريخ وكلها قصص تجعل الأرق أحيانًا ممتعًا وساعتها عندما يأتى ضوء النهار إما أن يكون النوم حل وهو نادر؛ أو أن تكون الطاقة قد أتت وآن أوان التعامل مع النهار.

ولسبب غير مفهوم فإن الساعات الأولى تكون عامرة بالأفكار، عند المبالغة يقال عنها «الإلهام» ولكن واقعها فى العقل البشرى الذى تطور عبر الملايين، وربما البلايين، من السنين لكى يصل فى النهاية إلى عقدة ما ليس بالضرورة حلها، ولكن معرفة أبعادها والمتغيرات فيها تفيد نضج الفكرة التى حين تأتى يكون معها الجملة الأولى وحروفها المبكرة التى تستخدم معها القلم «الرصاص» ثم «الجاف والحبر» حتى نصل بإذن الله إلى لوحة حروف الكمبيوتر!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد المعاش ما بعد المعاش



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates