بقلم: طارق الشناوي
شعرنا جميعًا بالسعادة والنشوة، ونحن نرى الفنانة الكبيرة نجاة تتوج فى النسخة الرابعة من (جوى أورد) بجائزة إنجاز مدى الحياة، مشوار نجاة الفنى هو مجموعة متلاحقة من الإنجازات، وفنها الغنائى باق مدى الحياة.
بمجرد صعودها على خشبة مسرح بكر شدى، فى الرياض، وقف الجميع إجلالًا لتلك القيمة الاستثنائية، والتهبت الأكف بالتصفيق، ووجدنا أفراد الفرقة الموسيقية وهم يداعبون بأناملهم أوتار الآلات، وهى الطريقة المعتمدة من الفرقة الموسيقية، للتعبير عن التقدير، وقبل التكريم، استمعنا إلى صوت عمار الشريعى وهو يروى أن الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب قال عنها: صوت نجاة يشبه آلة الكمان فى العذوبة والرقة، ويظل تشبيه الشاعر الكبير كامل الشناوى أنها (الضوء المسموع) هو الأجمل والأكثر تعبيرًا عن سحر وسر هذا الصوت، الذى ظل فى الضمير الجمعى العربى هو (صوت الحب).
ماذا بعد جائزة (جوى أورد)؟، ما الذى من الممكن أن نقدمه لنجاة فى مصر؟، إجابتى هى أن نمنحها أرفع وسام وهو جائزة النيل، وبالمناسبة سبق أن حصلت الفنانة القديرة سميحة أيوب، قبل عشر سنوات، على تلك الجائزة الرفيعة.
وقبل أن يعترض البعض قائلًا إن نجاة مؤدية وليست مبدعة، أقول لكم إن أم كلثوم رشحت فى مطلع الستينيات للجائزة التقديرية، وكانت هى الأرفع والأهم قبل إقرار (جائزة النيل)، واجهت أم كلثوم، هذا الاعتراض أيضًا، من البعض، وقالوا إن الأحق بالجائزة هم الملحنون أمثال السنباطى وعبد الوهاب والقصبجى، لأنهم مبدعون، بينما هى فقط مؤدية، وتدخل الرئيس جمال عبد الناصر، فتوقفت الاعتراضات.
لدينا قطعًا أصوات مبدعة تتجاوز حاجز الأداء الجميل إلى الإبداع الأصيل، صوتهم هو الإبداع، وهم قطعًا عدد محدود جدًا فى تاريخنا الغنائى كله، مثل عبد الحليم حافظ.
تحية مستحقة لهيئة الترفيه ورئيسها المستشار تركى آل شيخ على منحه تلك الجائزة لنجاة، وعلى قدرته على إقناعها بالحضور على المسرح، الذى استحوذ على نبضات القلوب، سواء لمن حضر الحفل أو شاهده عبر شاشة التليفزيون.
أتمنى أن تلتقط الخيط نقابة المهن الموسيقية، وأن يبدأ نقيبها مصطفى كامل فى التقدم لوزارة الثقافة بترشيحها، طبقًا للقانون، يجب أن تتقدم إحدى الجهات للترشيح، ومن الممكن أيضًا أن تفعل ذلك أكاديمية الفنون، أعتقد أن هذا هو الحد الدنى الذى يجب أن نفكر فيه عندما نسعى لتكريم هذه الفنانة العظيمة.
على مدى نصف قرن لم تعرف نجاة غير القمة، مهما واجهت من عواصف وأنواء وأمزجة وتيارات غنائية متعددة، الهمس هو أسلوبها فى الغناء وفى الحياة، ولهذا كانت تهمس إلينا فيصل صوتها شهاب نور قادمًا من السماء، بعد أن غادر موقعه بجوار النجوم.
ليست «نجاة» مجرد موهبة منحها الله صوتًا عبقريًا، أحاطت نجاة هذه الموهبة الربانية بذكاء فى الاختيار، لديها قدرة استثنائية على انتقاء كلمات الأغانى بالعامية والفصحى. «نجاة» و«عبد الحليم» وجهان لنفس العملة الغنائية، لا تبحث كثيرًا عن مساحات صوتية، إذا أردت كمال الصوت أمامك «سعاد محمد» و«محمد قنديل» لا ينافسهما أحد، أما إذا أردت الإحساس فإن «نجاة» و«عبد الحليم» يصعدان للقمة، «نجاة» امتلكت بمساحة صوتية محددة ولا أقول محدودة، تلك «الكاريزما» التى يدعمها الجمال، إنها الجاذبية الخاصة التى تمنح للجمال حياة تضفى عليه شعاعًا من نور، لا تعرف بالضبط ما هو سرها ومفتاح شفرتها، أنتظر أن تتوج مصر نجاة بأرفع جائزة لدينا، لأن نجاة هى أهم ما لدينا!!.