بقلم -طارق الشناوي
عدد من الأعمال الفنية تقدم لمحة فى مشهد، أو مقطعًا يتخلل أغنية يعتمد على ذكاء المتفرج، وأحيانًا يلجأ مخرج للسخرية أو لمداعبة زميل له، يجد الفرصة مهيأة له على الشريط السينمائى.
مثلًا فى فيلم (شارع الحب) ١٩٥٩ أراد المخرج عزالدين ذوالفقار السخرية من زميله المخرج صلاح أبوسيف.
المتداول فى الوسط الفنى أن عز يحصل على الأجر الأعلى بين الجميع، بينما صلاح أبوسيف قال لى إنه منذ منتصف الخمسينيات، كان يحرص على أن يتقاضى الرقم الأعلى، وعندما اكتشف أن عز أجره ٥ آلاف جنيه طلب من رمسيس نجيب، منتج ( الوسادة)، أن يزيد ١٠ جنيهات على الآلاف الخمسة، والفيلم أول بطولة للبنى عبدالعزيز، زوجة رمسيس نجيب، الذى وافق بالطبع، على تلك الزيادة الرمزية.
فى الأحداث مشهد شهير للبنى عبدالعزيز تتحدث مع عبدالحليم فى التليفون، وترفع قدميها، بينما المخرج صلاح أبوسيف يقدم لقطة مقربة لقدم لبنى تملأ (الكادر)، قرر عز بعدها بعامين، وفى (شارع الحب) بطولة عبدالحليم حافظ أيضًا، وفى المشهد الشهير بين زينات صدقى وعبدالسلام النابلسى، قدم محاكاة ساخرة، تستلقى زينات على السرير وتكتب على المخدة (الوسادة الخالية)، وفى حوار تليفونى مع النابلسى تتماثل وتتمايل بنفس طريقة لبنى، ثم يقطع هو فى لقطة مكبرة على قدميها لتحاكى لبنى، هذا الموقف حتى يثير الضحك يفترض مسبقًا أن المتفرج يتذكر المشهد فى الفيلم الأول ليحدث نوع من التداعى ويضحك على تلك المفارقة، يطلقون عليه توصيف (بارودى).
مشهد آخر فيلم (حميدو) يدخل تحت نفس الإطار، وهذه المرة المخرج هو نيازى مصطفى، الفيلم عُرض فى بداية نجومية فريد شوقى عام ١٩٥٣، وتلاحظ فى (التترات) أن اسم هدى سلطان يسبق فريد لأنها كانت الأكبر فى التسويق، بعد ثلاث سنوات بدأ اسم فريد يزداد بريقًا وجماهيرية فى فيلم (رصيف نمرة ٥)، وسبق لأول مرة هدى سلطان، وكانت تلك هى أيضًا رغبة هدى.
فى فيلم (حميدو) عندما اقترب رجال الشرطة من لحظة القبض على فريد شوقى، رفع بصوته تكبيرة الصلاة، فتوقف الجنود عن القبض عليه، وفى ثوانٍ قفز من الشباك، فى (رصيف نمرة خمسة)، أيضًا لنيازى مصطفى، كان زكى رستم فى الجامع يصلى، وواجهه فريد بالسبحة التى انفرطت حباتها، وتؤكد أنه القاتل، وبدأ زكى فى تكبيرة صلاة السنة، فأوقفه فريد قائلًا: (أنا عملتها قبلك)، المفروض أن المتفرج على الموجة ويتذكر المشهد فى (حميدو)، لو افترضنا أن ذاكرته لم تسعفه، أو حتى لم يشاهده على الإطلاق سيجد فيه أيضًا ما يثيره.
فى فيلم (ليالى الحب) إخراج حلمى رفلة عام ١٩٥٥ الذى عُرض بعد أشهر قلائل من فيلم (لحن الوفاء)، أول إطلالة سينمائية لعبدالحليم، حيث غنى حليم فى (لحن الوفاء): (على قد الشوق اللى فى عيونى)، التى حققت نجاحًا طاغيًا، بينما فى أغنية «يا سيدى أمرك»- داخل أحداث فيلم (ليالى الحب)- التى كتبها فتحى قورة ولحنها محمود الشريف، الأغنية قائمة على السخرية من تراثنا القديم، الذى قدمه عمالقة بقامة أم كلثوم وصالح عبدالحى ومنيرة المهدية وغيرهم، يكتب قورة مثلًا (بحقك أنت المنى والطلب)، وهى قصيدة لأم كلثوم، ويضيف ساخرًا: (والله يجازى اللى كان السبب)، ومع اقتراب نهاية الأغنية أو بالأحرى (المونولوج) يقول:
(خايف أقول على قد الشوق/ لتطلع روحى)، يقصد أغنية (على قد الشوق اللى فى عيونى).
أتصور أن جمهور هذه الأيام أو القطاع الأكبر عندما يستمع إلى هذا المقطع، ربما لا يدرى أن المقصود أغنية (على قد الشوق)، ورغم ذلك تظل (يا سيدى أمرك) قادرة على مقاومة الزمن، وتثير البهجة، حتى لو فاتتك تلك المفارقة!.