من المؤكد أنك تفقد الكثير من المتعة عندما تتابع مواقف كوميدية فى عمل فنى تشعرك أنك سبق لك أن أخذت منها جرعات متعددة فى أعمال أخرى، ليس مرة واحدة بل عشرات المرات، تتجاوز حتى الأربعين، الرقم المسموح به اجتماعيًا «يخلق من الشبه أربعين» فى التوافق بين وجوه البشر.
اللقاء الثالث فى غضون نحو ثلاث سنوات، بين الكاتب لؤى السيد والمخرج محمود كريم وكل من ليلى علوى وبيومى فؤاد.
الأول «ماما حامل» ٢٠٢١، الثانى «شوجر دادى» ٢٠٢٣، الثالث «زوجة توكسيك» ٢٠٢٤، والتعبير الأخير «توكسيك» يوصف به الإنسان الذى يصدر التعاسة لمن حوله، المعنى الدارج «يشفط الأوكسجين»، وطبقًا لكلمة «توكسيك» فإن تلك الصفة تنطبق على بيومى فؤاد، الذى يلعب دور زوج ليلى علوى فى الفيلم، ثرى يتاجر فى الزهور إلا أنه بخيل فى كل شىء، أمواله ومشاعره.
عنوان الفيلم يرمى إلى الزواج وليس التركيبة النفسية لشخصية محددة، مقصود به زواج كل من ملك قورة ابنة هيدى كرم وتامر هجرس إلى محمد أنور ابن ليلى علوى وبيومى فؤاد.
اعتبر هذا الفيلم هو الجزء الثانى من «شوجر دادى»، واستبعد من السلسلة «ماما حامل»، البطولة فى آخر فيلمين هى بالفعل على الشاشة للثنائى ليلى وبيومى، بينما «ماما حامل» كانا يمهدان فيها للبطلين حمدى الميرغنى ومحمد سلام، وغادرا الشاشة إلا قليلًا فى النصف الثانى من الشريط السينمائى.
هل حقق «جوازة توكسيك» الإيرادات المرتقبة أو المأمولة فى الشباك؟ الأرقام تشير إلى أنها دون المتوسط، السؤال الذى يتردد بكثافة فى «الميديا»، قبل نحو عام هل يتحمل بيومى فؤاد المسؤولية، بسبب المقاطعة لأفلامه ومسلسلاته؟، يقينًا تلك إجابة خاطئة يكذبها الواقع وبالأرقام، فلا توجد أساسًا مقاطعة فعلية لبيومى، كانت هناك فى الشارع المصرى مساحة من الغضب، إلا أن الجمهور لم يقاطعه، برغم الحملات التى طالبت بذلك، والدليل أن النسبة الكبيرة من الأفلام التى حققت إيرادات فى العام الماضى شارك فى بطولتها مثل «فوى فوى فوى» و«وش فى وش» و«الحريفة»، والأخير كان أداء صوتيا فقط، إلا أنه لعب دور المعلق الرياضى بخفة ظل، وكان عاملا مباشرا فى تحقيق تلك الأرقام.
مشكلة بيومى أن أفلامه الأخيرة مثل «أسود ملون» مفتقدة أساسًا أى قدرة على الجذب الجماهيرى، وأتصور أن لديه نقطة ضعف فى تكوينه الشخصى والفنى، فهو مجامل جدًا ولا يقول لا أبدًا عندما يُعرض عليه دور، خاصة لو كان بطولة، كما أنه لا يجيد الاختيار، فهو فى السنوات الخمس الأخيرة أكثر الفنانين الذين تُعرض عليهم أعمال فنية، رغم ذلك أكثر الفنانين فى الرهان الخاطئ، يقع اختياره على من كان لزامًا عليه أن يرفضه.
الشريط السينمائى الأخير كان ينبئ فى البداية كفكرة بحالة درامية ثرية تنتعش بالعديد من المواقف، يقترب السيناريو من الاشتباك مع تلك الظاهرة، اختلاف الثقافات داخل المجتمع الواحد، قطعًا الفيلم قدم تلك المواقف القائمة على التباين الشديد بقدر لا ينكر من المباشرة بين الأبيض والأسود، مما يفقدها الكثير من المصداقية.
الجمهور أو القسط الأكبر منه يميل لحالة المحافظة فى العلاقة بين الجنسين، التى صدرها لنا الثنائى ليلى وبيومى، ويرفض الانفتاح الاجتماعى بين تامر هجرس وهيدى كرم.
من الواضح أن المخرج سمح لبيومى بإضافة عدد من الإيفيهات، اللفظية والحركية، القسط الوافر منها كانت مجرد ضحكات «فشنك».
بينما محمد أنور وهو من الموهوبين فى هذا الجيل، إلا انه هذه المرة أمام الكاميرا أراه مطفأ فاقدًا الحضور، يحفظ فقط الحوار، على الجانب الآخر امتزجت ملك قورة بالدور بدرجة عالية من الحضور، وكذلك هيدى كرم التى يندر توفرها على الشاشتين، ولا أدرى السبب؟، تامر هجرس يبدأ الفيلم وهو تامر هجرس وينتهى من التصوير تامر هجرس، ويستعد للفيلم القادم محافظًا على تامر هجرس، طبعًا تلك ليست فقط مسؤوليته، يجب على الكاتب والمخرج رسم شخصية درامية مغايرة للصورة الذهنية التى ينتقل بها من عمل فنى إلى آخر، التى باتت تكبله، ويستعيدها من عمل فنى إلى آخر، وستصل به حتمًا إلى درجة التشبع مع الجمهور، أعجبتنى برغم ضآلة مشاهدها، الوجه الجديد نورين أبوسعدة، كما أن ليلى علوى تنوعت مع الخط البيانى الدرامى والنفسى للشخصية، وأثبتت أن هذا الجيل لايزال قادرًا على أن يتصدر الأفيشات والتترات.
المأزق المشترك فى هذا الفيلم بين الكاتب لؤى والمخرج كريم، أن المعلومة الدرامية الواحدة تتكرر عدة مرات، مثل سرقة خاتم الخطوبة، وأقسى إحساس سلبى يعيشه المتفرج هو تكرار المعلومة، ناهيك عن عدم منطقيتها، بالإضافة إلى خفوت شديد فى الابتكار، فهو كما يبدو من المحفوظات العامة فى الدراما الكوميدية القائمة على التناقضات والانقلابات الدرامية المفتعلة.
دائمًا الثنائى لؤى وكريم ينتقلان بنا فى النصف الثانى من الفيلم، إلى الشاطئ حيث تصبح الفرصة مهيأة أكثر للانطلاق فى البحر، خاصة مع ازدياد حرارة الجو، يصبح شاطئ البحر هو الحل، ولكن لم يواكب ذلك مفردات درامية تتحرك بالتوازى فى الموسيقى والمونتاج والتصوير، كنت أنتظر أن أقضى نحو ساعتين من الضحك، وكان هذا يكفى جدًا، إلا أن الشاشة خذلتنى حيث كانت تنضح كثيرًا بعنصر قاتل ومنفر اسمه «توكسيك»!.