بقلم -طارق الشناوي
كثيرًا ما تأتى إجابة كبار النجوم والمخرجين سابقة التجهيز ومعدة سلفا ومتكررة، لأن الأسئلة أيضا معدة سلفا ومتكررة، إلا أن المخرج والممثل العالمى سبايك لى قرر أن يعبر فقط عن قناعاته، عندما سألوه فى مهرجان (البحر الأحمر): هل يقدم أفلاما عن الواقع العربى؟ أجاب مازحا: أنا أتحدث الإنجليزية بصعوبة، فكيف أقدم فيلما عن الثقافة العربية.. نعم، السينما منذ أن اخترعها (الأخوان لوميير) فى نهاية القرن التاسع عشر كانت ترنو لمخاطبة العالم كله بالشريط المرئى قبل اختراع الصوت، إلا أن المخرج لا يتحرك فى فراغ، يجب أن يمتلك أدواته، وأولاها ثقافة البلد الذى يتناول قضاياه.. سبايك لى ممكن أن يُدرس سينما لطلبة من ثقافات مختلفة، ولكن تقديم شريط سينمائى تجرى أحداثه فى بلد آخر يحتاج إلى إدراك بكل تفاصيل هذا البلد.
عندما قرر فى السبعينيات المخرج السورى العالمى مصطفى العقاد تقديم نسختين بالعربية والإنجليزية لفيلم (الرسالة)، وفى نفس الديكور، قرر أن يبدأ أولا التصوير مع أنتونى كوين ثم عبدالله غيث، إلا أن الممثل العالمى المخضرم طلب العكس، حتى يشاهد عمليا كيف يقدم عبدالله الشخصية ثم يعيدها هو، وقال وهو يمزح مع عبدالله غيث: (الحمد لله أنك لا تتحدث الإنجليزية وإلا أصبحت منافسا لنا).
شىء مشابه فعله عمر الشريف فى (المواطن مصرى) لأداء دور العمدة، أول صعوبة هى التعوّد على ارتداء الجلباب، فقرر أن يرتديه فى منزله، كما أنه- كما روى لى حسن حسنى- كان يستدعيه إلى حجرته بالإستوديو يوميا ليراجعا معا الحوار، حتى لا تخذله مخارج الألفاظ.
أشار أيضا (سبايك لى) فى الحوار إلى ملمح مهم جدا وهو أهمية القصة (فى البدء كانت فعلا القصة). قالت لى المنتجة ناهد فريد شوقى إن والدها ملك الترسو والبريمو، عندما تقدم له عملا فنيا يطلب منها أولا أن تلخص القصة فى جملتين، فإذا فشلت يغلق تماما باب الحوار.
ويبقى أهم ما أشار إليه (سبايك لى)، وهو تأثير الموبايل على ثقافة التلقى، ومن ثم أيضا صناعة الفيلم السينمائى.. السينما قبل الموبايل غير السينما بعده، ولا أتحدث هنا فقط كما قال سبايك لى عن تنفيذ أفلام بالموبايل، وتواجد أكثر من مهرجان سينمائى فى الألفية الثالثة لتلك النوعيات.. الأهم أن الموبايل أحدث تأثيرًا وتغييرًا مباشرًا فى قواعد اللعبة السينمائية.
أكبر دافع لتغيير حياة الناس وعبر التاريخ هو أدوات التواصل. الإنسان قبل اختراع حروف الأبجدية غير الإنسان بعدها. عندما ظهرت فى القرن الخامس عشر آلة الطباعة على يد جوتنبرج، غيّرت الكثير من العادات، وجاء اختراع الميكروفون والموجات اللاسلكية وبدايات الإذاعة والتليفزيون والسينما والفيديو والكمبيوتر، ثم الموبايل وانتشاره، فهو بعدد 7 مليارات جهاز يقترب من عدد سكان العالم، وتعددت التطبيقات، قطعًا تغيرت أيضا أبجدية السينما، بعد أن زادت مساحة التعاطى مع الصورة على هذا النحو المتصاعد، وهو ما لعب دورا مؤثرا فى تغيير ثقافة التلقى.. التفاعل والإضافة بين المتلقى ومن يقدم له الرسالة زادت كثيرا عن الماضى، هناك إيجابية عبرت عن نفسها أكثر مع انتشار تقنية الواقع الافتراضى، القائم عضويًا وجسديًا على أن تصبح جزءا من اللعبة السينمائية، إلا أن الإضافة الأعمق تظل فى الوجدان، السينما الحديثة كلغة صارت تعتمد على المشاهد المتفاعل.
هناك مساحة رمادية بين المخرج والجمهور، الفنان لا يقول كل شىء، ولكن يترك للمتفرج أن يضيف ويقول ويملأ المساحة الفارغة.
تواجد سبايك لى فى مهرجان (البحر الأحمر) حقق بآرائه ضوءًا سكن العقل والقلب والوجدان!!.