بقلم : مشعل السديري
قال الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه (المسلمون في الهند): السلطان الفاضل العادل المحدث الفقيه مظفر حليم الكجراتي، روى عنه التاريخ من نوادر الإخلاص والإيمان، والعدل والإيثار، وكان يقتدي بآثار السُنة في كل قول وفعل، ويعمل بنصوص الأحاديث النبوية، وكثيراً ما يذكر الموت ويبكي.
وكان كثير التفحص عن أخبار الناس، وربما يغير زيه ولباسه، ويخرج من قصره آناء الليل والنهار، ويطّلع على الأخبار والأسرار. قال الآصفي: إنه وصل إليه يوماً من القاضي بجانبانير رسول الطلب، وقد تظلم منه من يتجر في الخيل، فكما بلغه وعلى ما كان عليه في حال الخلوة أجاب الرسول، وخرج ماشياً إلى القاضي، وجلس مع خصمه بين يديه، وأجاب التاجر عليه أنه لم يصله ثمن أفراسه، وثبت ذلك، وأبى التاجر أن يقوم من مجلسه قبل أداء الثمن، وحكم القاضي به، فمكث السلطان مع خصمه، وكان القاضي لما حضر السلطان المحكمة، وسلم عليه لم يتحرك من مجلسه، وما كفاه ذلك حتى إنه أمره ألا يترفع على خصمه، ويجلس معه، والسلطان لا يخرج عن حكمه.
ولما قبض التاجر الثمن، وسأله القاضي: هل بقيت لك دعوى عليه؟ قال: لا. عند ذلك قام القاضي من مجلسه، وسلّم على سلطانه على عادته فيه، ونكس رأسه فيما يعتذر به، فقام السلطان من مجلسه مع الخصم، وأخذ بيد القاضي، وأجلسه في مجلس حكمه كما كان، وجلس إلى جنبه، وشكره على عدم مداهنته في الحق حتى إنه قال: لو عدلت عن سيرتك هذه رعاية لي لانتصفت للعدالة منك، وأنزلتك منزلة آحاد الناس لئلا يتأسى بك بعدك غيرك، فجزاك الله عني خيراً بوقوفك مع الحق، فمثلك يكون قاضياً، فأثنى عليه القاضي، وقال: ومثلك يكون سلطاناً.ومثل هذا حصل مع الخليفة الراشد على بن أبي طالب، عندما تفاصل مع يهودي على ملكية درع، أمام القاضي شريح، فقال شريح: يا أمير المؤمنين، أنا أعلم أنك صادق، ولكن ليس عندك بينة، غير شهادة ابنك الحسن، وهي لا تنفعك لأنه ابنك، وقد حكمنا بالدرع لليهودي.
هزَّ هذا الموقف اليهودي، فقال: والله إن هذا الدّين الذي تحتكمون إليه لهو الناموس الذي أُنزل على موسى، وإنه لدين حق، إلا أنَّ الدرع درع أمير المؤمنين، وإني أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
نعم هذا هو الدين القويم الذي لا يفرق بين مملوك ومالك، فالحق يعلو ولا يعلى عليه.