بقلم - سليمان جودة
اختار عادل إمام «طريقة شيك للإعلان عن اعتزاله»، فقال ابنه إن الفنان الكبير قرر التفرغ للحياة مع الأسرة والأحفاد.. ربما لأن كلمة «الاعتزال» ثقيلة على النفس.. وربما لأنه يعز على فنان مثل عادل إمام أن يأتى عليه وقت لا يستطيع فيه أن يبقى تحت الأضواء، فلا يملك إلا أن يغادر، وقد كانت الأضواء من قبل تغمره من كل اتجاه.. ربما.. ولكن المؤكد أن هذه مسألة لا اختيار فيها أمامه.
لم يذكر الابن كلمة اعتزال بشكل مباشر، ولا حتى بشكل غير مباشر، ولكنه فضّل الكلام عن أسرة، وعن أحفاد، وعن رغبة فى التفرغ لهم، وعن سعادة عادل إمام بكل ذلك.. والكلمات تختلف من حيث وقعها فى النفس من كلمة إلى كلمة، مع أن المعنى يكون واحدًا فى الغالب، وقد كان عمر بن الخطاب إذا أراد الإشارة إلى رجل «كافر» لم يذكر هذه الكلمة، وإنما أشار إلى الرجل باعتباره رجلًا غير مؤمن.. وفقط.
ولا يزال عادل إمام يحافظ على صورته لدى جمهوره، ومن علامات ذلك أنه لم يشأ أن يخرج بنفسه ليعلن ما أعلنه ابنه، وقرر أن يبقى هناك وراء ستار، فتظل صورته كما هى، وكما عاش يرسمها ويشكل ملامحها فى عيون الجمهور.
ففى وقتٍ من الأوقات كان يعمل مع أحمد زكى، وسعيد صالح، ويونس شلبى، وهادى الجيار يدًا بيد، وكانوا جميعًا متساوين تقريبًا فى درجة الجماهيرية لدى الناس، ولكن عادل وحده راح يشتغل على صورة محددة يتركها من ورائه، وراح يختار الأعمال التى تعزز هذه الصورة وترسخها، فكان ما كان مما تراه إذا زرت بلدًا عربيًا، وخصوصًا فى دول المغرب العربى.. هناك يذكرونه كلما صادفوا مصريًا، فيسألونه عن الزعيم وعن أخباره، ويتمنون لو أنه استطاع أن يتردد على بلادهم كما عاش يفعل من قبل.
كان صاحب موهبة منذ البداية، ولا شك أن الموهبة تمنحها السماء، ولا يمكن أن تكون وراثية، ولا أن تقدمها أى جهة، ولكن الموهبة تحتاج إلى إدارة، وليس كل الموهوبين قادرين على هذه الإدارة.. وإلا، فإن سعيد صالح، وأحمد زكى، ويونس شلبى، وهادى الجيار، كانوا كلهم موهوبين، بل كانوا على درجة عالية من الموهبة.
ولم تميز واحدًا منهم عن الآخر إلا قدرة هذا الواحد على حُسن إدارة موهبته عند المقارنة بالآخر، وبما يحقق نوعًا من التراكم على مدى مراحل المسيرة.. ولو أنت تتبعت مسارات الخمسة، فسوف تجد أن البدايات كانت هى نفسها من حيث درجة التحقق الفنى، وأن ما بعد البدايات هو الذى راح يختلف؛ لأن الفارق كان فى طريقة إدارة الموهبة بالأساس.
وإذا شئت فنانًا آخر أدار موهبته كما أدارها عادل إمام، فهذا الفنان هو عبدالحليم حافظ، الذى أعطته السماء ما عندها ثم أكمل هو الباقى.