بقلم - سليمان جودة
ما أشبه ما يقوله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب هذه الأيام، بما كان الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي يقوله، عندما كان مرشحاً في السباق الرئاسي ينتظر النتيجة!
كان ذلك في صيف 2012، وكانت الانتخابات الرئاسية قد جرت في جولتها الأولى بين سبعة مرشحين، ثم انطلقت الجولة الثانية بين مرشحين اثنين، هما الفريق أحمد شفيق، المرشح المستقل، والدكتور محمد مرسي، مرشح جماعة «الإخوان».
ومن مؤشرات الجولة الأولى كان واضحاً أن الأصوات في الجولة الثانية بين شفيق ومرسي سوف تتقارب، وأن الكفة الراجحة ستكون في الغالب من نصيب الفريق شفيق، أو هكذا بدت الصورة من خلال تفاصيلها المنشورة أمام كثيرين.
وكانت الفترة السابقة على إعلان النتيجة مدهشة حقاً، وكان أغرب ما فيها موقف الولايات المتحدة المعلن على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون.
فالسيدة كلينتون كانت تستعجل إعلان النتيجة، وكانت خلال اليومين السابقين على إعلانها تترقب وتنتظر، وكان الترقب على قسمات وجهها وفي تصريحاتها من نوع فريد تماماً كانتظارها، وكان ذلك يظهر في عباراتها الداعية إلى سرعة الإعلان عن الفائز بأي طريقة، ولم يكن من الصعب على الذين تابعوا تصريحاتها في وقتها، أن يلحظوا ميلها الواضح إلى طرف دون طرف في السباق الذي جرى.
وقد بلغ بها الانحياز إلى مرشح الجماعة الإخوانية، حد أنها كادت تطلب من الجهة التي ستعلن النتيجة، الإعلان عن فوز مرسي بالذات!
كان هذا واضحاً جداً فيما كانت تقوله وتصرّح به ساعة من بعد ساعة، ولولا الحرج السياسي لكانت قد دعت إلى الإعلان عن فوز محمد مرسي صراحة ومن دون مواربة، ولم يكن هذا غريباً على كل حال لمن كان يتابع الأمور من بداياتها، ولا كان غريباً على إدارة الرئيس باراك أوباما، التي كانت منذ بداية ما يسمى الربيع العربي تميل إلى جانب الجماعة ولا تخفي انحيازها لها!
ولكن الأغرب حقاً هو موقف مرسي نفسه، الذي التقى المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الحاكم في البلاد وقت إجراء الانتخابات.
جانب من اللقاء أُذيع بالصوت والصورة في مشهد من مسلسل «الاختيار» الذي أذاعته القنوات المصرية في رمضان هذه السنة، ولأنه مشهد طبيعي لا تمثيل فيه، فلقد كان موحياً بكل ما في الإيحاء من قوة، وبكل ما كان فيه من مفاجأة بالنسبة لكثيرين من المشاهدين الذين تابعوا المسلسل.
كان مرسي يحذر المشير خلال اللقاء بينهما، من أن عدم فوز مرشح لـ«الإخوان» في السباق سيسبب مشاكل كبيرة في البلد، وكان المشير لا يكاد يصدق ما يسمعه، ولأنه لم يكن يصدق ما يسمعه كمسؤول عن البلد وقتها، فإنه كان يسترجع مرسي الذي كان يعود فيقول المعنى ذاته من جديد ولكن في عبارات مختلفة، وبشكل كان يحمل في طياته تحذيراً من عنف سيقع، لو أنه لم يكن هو الفائز، ولو أن شفيق كان هو الفائز!
وكان هذا هو التطرف السياسي بعينه في أعلى معانيه، وإلا، فما هو التطرف من هذا النوع، إذا كان مرشح «الإخوان» يرى نفسه الفائز الوحيد في السباق الرئاسي ولا يرى سواه، وإذا كان يتصرف على طريقة إما أن أفوز، وإما أن يكون العنف في مواجهة الناس هو البديل؟!
وكان المعنى أن الجماعة لم تكن تعترف بفكرة المنافسة في الانتخابات ولا كانت تقرّ بها، وكانت تخوضها مع مرشح منافس على سبيل الشكل لا أكثر.
وقد كان هذا التطرف هو الذي قاد حكم الجماعة إلى السقوط، ولكن سقوطها قصة أخرى ليست موضوعنا في هذه السطور، وما يهمنا هنا هو ما كان مرشحها يردده عن يقين في داخله، من دون أن ينتبه إلى أن المجلس العسكري الذي كان يحكم، لم يكن هو الجهة المشرفة على الانتخابات، ولا كان هو الجهة التي سيكون عليها أن تعلن ما تقوله أوراق الصناديق أمامها!
شيء من هذا تجده بالضبط في حالة الرئيس ترمب، الذي يقف في انتظار ما سوف تكشف عنه التحقيقات فيما وجدوه داخل مقر إقامته من أوراق رسمية.
إننا نعرف أن قوات من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي داهمت المقر في ولاية فلوريدا، وخرجت منه بعدد من الصناديق التي تحوي 11 ألف وثيقة كان هو يحتفظ بها، ومن التحقيقات الأولية تبين أن من بينها 48 وثيقة رسمية سرية!
ولكن الرئيس ترمب لا يزال يجادل في أهمية المضبوطات، ويرى أنه إذا كان قد مر بالبيت الأبيض رئيساً فإن هذا يمنحه حصانة ضد الملاحقة!
ولو كان يرى ذلك على مستواه الشخصي وفقط، ما كان في الأمر مشكلة، ولكان من السهل التعامل معه باعتباره رئيساً سابقاً ضمن رؤساء أميركيين سابقين مثله لا يزالون مثله على قيد الحياة.
ولكن المشكلة هي أنصار له ليسوا أقل تطرفاً في تصورهم لطبيعة العمل السياسي، وهو لا يجعل مناسبة تمر إلا ويلوّح فيها بهؤلاء الأنصار، الذين كانوا وقوداً سياسياً يوم تسلق بعضهم جدار الكونغرس في 6 يناير (كانون الثاني) قبل الماضي.
وقبل أيام خرج الرئيس ترمب يصرح للإعلام بما لم يكن يصرح به في السابق، فقال، إن إدانته في قضية مضبوطات مقر إقامته سوف تسبب مشكلات للبلاد لا مثيل لها!
ورغم أنه لم يعاصر حكم مرسي وجماعته، ولم يكن في البيت الأبيض وقتها، فإنه يردد ما كان مرشح «الإخوان» يردده بالضبط، ولو أنت رفعت اسم ترمب من هذه العبارة التي يتحدث فيها عن عواقب إدانته، ثم وضعت اسم مرسي في مكانه، فسوف لا يختلف الحال، وسوف يلتبس عليك الأمر، وسوف لا تعرف ما إذا كان المتحدث هو ترمب في واشنطن هذه اللحظة، أم أنه مرسي في القاهرة قبل عقد من الزمان.
ففي وقت مرشح الجماعة، كان المشير يسمع كلامه الذي يهدد فيه بعواقب عدم فوزه، ثم يتساءل لا بد بينه وبين نفسه عما ستفعله لجنة إعلان النتيجة، إذا ما كان الفائز أمامها هو شفيق بالفعل لا مرسي؟!
وفي وقت ترمب يتساءل المدعي العام الأميركي بالضرورة وهو يتولى التحقيق في القضية، عما سيفعله إذا كانت التحقيقات ستنتهي بالفعل إلى إدانة الرئيس السابق، من دون أن تكون الإدانة منطوية على ظلم له، ولا على أي درجة من التجني عليه.
التطرف السياسي في الحالتين ملة واحدة، ويكاد يكون صورة متطابقة بالكربون، رغم أن بين الحالتين عشر سنوات من عمر الزمان!
ولا فرق بين أن يكون المتطرف والحال هكذا، هو ترمب الذي قضى سنوات أربعاً في البيت الأبيض، أو أن يكون هو مرسي الذي عاش في القصر سنة واحدة!