الخيال الممنوع

الخيال الممنوع

الخيال الممنوع

 صوت الإمارات -

الخيال الممنوع

السعد المنهالي
بقلم - السعد المنهالي

في عام 2018 نشر مركز متخصص في «النظم الطبية الحيوية» لدى جامعة «لوكسمبورغ» دراسةً أثبت فيها أن الأطفال الرضع الذين ولدوا ولادة قيصرية «معقمة تماماً»، لديهم مستويات أقل بكثير من بكتيريا مهمة تعد محفزًا رئيسًا لجهاز المناعة الناشئ. وأن هذا المستوى المتدني الذي يستمر لمدة خمسة أيام على الأقل بعد الولادة يتسبب في عواقب طويلة المدى على جهاز المناعة لدى الإنسان فيما بعد، على عكس أولئك المولودين ولادة طبيعية وتعرضوا لذلك الكم الهائل من الجراثيم. وعلى الرغم من أن مستوى البكتيريا يصبح أفضل قبل إكمال الطفل عامه الأول، إلا أن غيابه في تلك الفترة المبكرة من العمر، يحرم الخلايا المناعية الجاهزية للاستجابة على نحو أمثل للتعامل مع العوامل الخارجية.
استرجعت هذه المعلومة أثناء قراءتي لرواية «حارس سطح العالم» للكاتبة الكويتية «بثينة العيسى» وتناولها في عملها الأخير الرقابة التي نفرضها على نوعية قراءات أطفالنا، وإصرارنا المستمر على تعقيم الأجواء حولهم بشتى سبل الوقاية بدعوى حمايتهم من الضرر! تقوم الحكومة في الرواية بعمل ممنهج لحرمان الأطفال من التخيل، بل وتتعامل بقسوة مع الأهالي الذين يحجبون عن الإبلاغ عن أطفالهم ممن يظهرون أعراضاً تدلل على ذلك. سيصنف أغلب من يقرأ هذه الرواية، بأنها من أدب المدينة الفاسدة؛ رغم غياب الخراب، والقتل والفقر والمرض، وهي الملامح الرئيسة لأدب «ديستوبيا»، إلا أن حضور القمع الفكري عبر منع الناس من التخيل، هو ما جعل للرواية هذه الصبغة، على اعتبار أن ذلك أشد سوءاً من الفقر والجوع والمرض، وهذا ما اتفق بشأنه تماماً.
للخيال دور أساسي في شحذ قوتنا على محاربة كل الآفات، مهما كان نوعها. والواقع، وبعيداً عن الرواية، يبدو جلياً أن كل ما حول الأطفال يحجب ملكة التخيل لديهم، وذلك رغماً عن تعدد منصات الاطلاع المتوافرة. إن تحول كل شيء إلى رقمي وعبر شاشات مُوجه ما فيها، يحد بشكل كبير رؤيتنا للأمور. إن مخيلة الصغار مستحوذ عليها، وما نقوم به من تعقيم متعمد حول صغارنا، يضعف بشكل أو بآخر جاهزيتهم للمستقبل، وهو ما يعد-حسب مجريات الرواية- الضرر بعينيه. إن قدرتنا على الاستمرار أساساً في الحياة، نابعة من نجاحنا في تكوين صور وتحريكها لتحقيق واقع نرغب به؛ وهذا يسمى تفعيل الخيال؛ ومن دون الخيال تضعف مناعتنا، وبالتالي قدرتنا على التعاطي مع المستقبل!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيال الممنوع الخيال الممنوع



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates