بقلم - محمد اليامي
مغر ومثر أن نعاود اكتشاف إبداعات أدبية سعودية كان من يعرف قيمتها المتخصص أو المهتم، وهو أيضا أمر مثير إذا ما عرفنا أن بعض هذه الإبداعات حوربت، أو حورب أصحابها لأسباب باتت اليوم معروفة للجميع، مثير لأن تسليط الضوء عليها - مجددا - يتم اليوم عبر محاكمة شعبية لغياب أو تغييب إبداعات معينة أو أصحابها.
أيضا هو مثير أيضا، لأن الذائقة الجمعية يمكن أن تكون بخير، وأن تشفى من عوالق الإعلام الاجتماعي والعولمة واستهلاك اللحظة وضعف الأرشفة الذهنية إلى آخر القائمة المحبطة للمتأمل في تطورات البشرية وتعقيدات علاقتهم الاتصالية فيما بينهم.
الأيام الماضية أثير في السعودية جدل صحي حول غناء قصيدة بوابة الريح لمحمد الثبيتي المعروف بـ"سيد البيد" من قبل محمد عبده، بين مؤيد ومعارض للحن والأداء، ومناقش لحقوق الملكية الفكرية التي ألمح إليها ورثة الشاعر في بيان كان غاية في اللباقة والأدب حتى لتخاله إثباتا "جينيا" أنهم ورثة هذا الشاعر الفذ.
ذائقتي تقول: إن اللحن أضعف كثيرا من القصيدة، وهذه إشكالية معروفة خليجيا عن محاولة غناء الشعر الفصيح، فالمحاولات قليلة، وأغلبها لم يحقق النجاح المرجو، أو ذلك النجاح الذي تحقق لقصائد غنتها فيروز "الأندلسيات" أو مارسيل خليفة "النضاليات"، أو النجاح النسبي لكاظم الساهر في غناء "الغزليات" - للتمثيل وليس الحصر.
التجربتان الموسيقيتان اللبنانية والمصرية هما الأكثر قربا لغناء الفصحى وتحقيق النجاح فيه، وهذا في ظني لعراقة تأسيس "الأوركسترا" في كلا البلدين، أما خليجيا فرأيي أن أبرز المحاولات كانت لخالد الشيخ بسبب اقترابه من الموسيقى وإنتاجه وإبداعه لها.
الموسيقى هي الفارق هنا، فالقصيدة الفصحى تملك النغمة الموسيقية، أي أن الشاعر هو الملحن الأول الذي يرسم خريطة الطريق لموسيقى تتسق مع الإيقاع الذي يفرضه، وأولى خطوات النجاح في هذا الطريق هو معرفة الفارق العميق بين إبداع الموسيقى وفق عبقرية إيقاع الشاعر، وبين الغناء أو التلحين وفق منهجية المغني، أو أساليب التلحين "الدارجة".
أعود إلى "الأوركسترا" كمؤسسة ضرورية لإرساء ثقافة التأليف والتوزيع الموسيقي، الذي يليق بروائع الشعر العربي، فنحن إزاء فجوة في الإنتاج الموسيقي نتيجة تأخرنا في إنشاء "أوركسترا" سعودية رسمية، أما وقد أنشئت، فالشكر لوزارة الثقافة على تبنيها.
سندخل عصرا سعوديا نعرف فيه أكثر، ماذا تعني الموسيقى كمكون ثقافي، وجزء من قوة ناعمة، وفي المستقبل جزء من اقتصادات الثقافة والبلاد، فسيكون أسهل في المستقبل غناء قصائد شعرائنا الفصيحة، وستكون التجربة أثرى، وأكثر انتشارا وتأثيرا.