التشوهات في ديموقراطية أمريكا

التشوهات في ديموقراطية أمريكا

التشوهات في ديموقراطية أمريكا

 صوت الإمارات -

التشوهات في ديموقراطية أمريكا

فهد إبراهيم الدغيثر
بقلم - فهد إبراهيم الدغيثر

وجد التيار اليساري المتطرف داخل الحزب الديموقراطي الأمريكي في جائحة كورونا ضالته عندما وافقت حكومات العديد من الولايات ومعظمها ديموقراطية، على قبول مبدأ التصويت عبر البريد «تفادياً» لانتقال العدوى. هذه الوسيلة (التصويت عبر البريد) ربما منحت ذلك التيار في بعض الولايات المتأرجحة الفرصة للتدخل ولتضخيم الأصوات لصالح جو بايدن؛ كما يدعي الرئيس ترامب ومحاموه. لهذا السبب لم يعترف الرئيس بالنتائج المعلنة حتى اليوم بانتظار ما تؤول إليه الدعاوى المرفوعة بواسطة محاميه أمام القضاء.


في الحقيقة وباستثناء فترة مكارثي الموجزة، لم يمر على الولايات المتحدة الأمريكية استقطاب سياسي واجتماعي منذ انتهاء الحرب الأهلية في عام ١٨٦٥ كالذي نشاهده هذه الأيام. الولايات المتحدة المعروفة بقيادتها للديموقراطية والشفافية في العالم، انحنت مؤخراً أمام التكتلات الهائلة التي أحدثها دخول ترامب للترشح للرئاسة قبل خمس سنوات واستمرت في ضراوتها وشدتها إلى يومنا هذا.

 

تجدر الإشارة إلى أن ممارسة التزوير في أي انتخابات في أمريكا ليست جديدة. قرأنا قصص تزوير موثقة في انتخابات رؤساء لنقابات العمال كتلك التي كان يرأسها جيمي هوفا وتسمى Teamsters في مطلع الستينات، وهي أضخم نقابة عمال في العالم، والتي بدأت بفوزه ثم اتهامه بقضايا قانونية أدت إلى سجنه وأخيراً باختفائه التام بعد أن خرج من السجن وقرر العودة لرئاسة النقابة مجدداً ولم يعرف أحد أين جثته حتى اليوم. ونسمع أيضاً عن تزوير في انتخابات مجالس بلدية صغيرة كانت تحدث في نيويورك ونيوجرزي وديترويت بضغوط من المافيا. لكن أن يصل الأمر إلى الرئيس والبيت الأبيض وفي هذا الزمن المفعم بالعلوم والشفافية والاختراعات والتعلم من دروس الماضي، وبهذا الكم، (بعض المصادر تتحدث عن ملايين الأصوات)، فهذا حدث هائل وغير مسبوق عالمياً إذا استثنينا جمهوريات الموز وبعض دول العالم الثالث المتخلفة.

في استطلاع جرى قبل يومين بواسطة رويترز، يرى أكثر من ٦٠٪ من الناخبين (٥٣٪ جمهوريون و٩٪ ديموقراطيون) أن التصويت قد تعرض بالفعل للتلاعب والاختراق. هل من عاقل رشيد يصدق حصول شخصية عادية باهتة كشخصية جو بايدن على ٧٧ مليون صوت؟ مؤسسات إعلامية ضخمة ومراكز أبحاث عريقة تخلت عن مهنيتها وتاريخها ومصداقيتها في سبيل الاصطفاف مع أعداء هذا الرئيس القادم من شركة للتطوير العقاري.

ما يدفع الملايين لتصديق وجود التلاعب بالأصوات هو أنها ليست إلا جزءا من سلسلة متصلة الحلقات ضد الرئيس بدأت منذ أن أعلن عن دخوله لسباق الرئاسة قبل خمس سنوات ولم تتوقف حتى اليوم. قبل التصويت في ذلك العام؛ أي في ٢٠١٥، لم تترك وسائل الإعلام شاردة أو واردة إلا وأبرزتها طمعاً في إفشاله أمام هيلاري كلينتن. وعندما فاز تم اتهامه كذباً بالتعامل مع روسيا ووصلت هذه التهمة أشدها عندما صوت مجلس النواب ذو الأغلبية الديموقراطية على عزله. ولولا الغالبية الضئيلة من الجمهوريين في مجلس الشيوخ لتم عزله بالفعل على تهم غير صحيحة. بعد ذلك وعندما أعلن عن نيته ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية استمرت وسائل الإعلام والتيارات المتطرفة من الحزب الديموقراطي في العمل على إفشال فوزه.

الحقيقة المؤسفة أن المؤسسات الإعلامية الكبرى التي كنا نظن بأنها تتصف بالعدل وإظهار الحقيقة وممارسة قيم ومهنية الصحافة العليا قد سقطت سقوطاً مدوياً في نظر أي متابع محايد. مجرد إعلاناتها المتكررة عن استطلاعات الرأي التي تضع بايدن متقدماً بعشر نقاط على الأقل في كل ولاية من الولايات الست المتأرجحة (ويسكنسن وبنسلفانيا وميتشيغن وجورجيا واريزونا ونيفادا) وغياب هذه النسب بعد التصويت يعتبره البعض تدخلاً سافراً ومؤثراً على نزاهة التصويت. ليست تلك المؤسسات فقط بل حتى وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة تبنت مبدأ الوصاية وتدخلت بشكل سافر عندما تعمدت شركة تويتر وضع ملاحظاتها على تغريدات الرئيس ومن يؤيده وأحياناً حذف التغريدة برمتها في تصرف غير مسبوق. إن كانت هذه سياسة الموقع العامة كما قال رئيس الشركة في استجوابه أمام لجان الكونغرس، فهل سيتمكن تويتر من فحص ملايين التغريدات التي تحتاج للفحص حول العالم!

اليوم وبعد أن أعلنت هذه المؤسسات فوز بايدن حتى قبل اعتماد النتائج الذي سيقع في الثامن من ديسمبر القادم، تستكثر على الرئيس تردده في الاعتراف بصحتها قبل التحقق من عدم وجود مخالفات. اليوم، ويا للعجب، تتحدث هذه المؤسسات عن خطورة انقسام الأمريكان بواسطة مواقف الرئيس وهي التي بدأت أصلاً بذلك الانقسام وعملت على إشعال نيرانه لعدة سنوات كما أشرت قبل قليل.

كل ما ذكرته هنا من تحريض وتشويه لسمعة الرئيس يقع ويحدث تحت مظلة وحماية المادة الأولى في تعديلات الدستور الأمريكي التي تم اعتمادها في عام ١٧٩١ وتنص على منع الكونغرس من تشريع أي قوانين أو عقوبات تحد من «حرية الرأي». بمعنى آخر تحولت الحرية التي كفلها الدستور لحماية حقوق الشعب إلى أداة خطرة لإشعال المواجهة بين طبقات الشعب الأمريكي وقد تنتهي الأمور بحرب أهلية. نعم الشعب الأمريكي أصبح منقسماً واللعب أصبح على المكشوف بعد أن كان بعضه يدور في الخفاء. حرية الرأي سمحت بنشر القصص المكذوبة ونفخ الأخبار التافهة واستغلال الحوادث العارضة وتحويل المجتمع إلى «مع» أو «ضد» في استقطاب مروع لم يحدث بهذا الحجم ودرجة الغليان، والقادم مع الأسف لا يبشر بخير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التشوهات في ديموقراطية أمريكا التشوهات في ديموقراطية أمريكا



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates