بقلم - حمد الكعبي
في 19 سبتمبر 2016، دهس إرهابي كان يقود شاحنة عشرات المتسوقين في سوق عيد الميلاد في مدينة برلين، فقتل 12 شخصاً، وجرح كثيرين، في جريمة، تبناها تنظيم «داعش»، وشكّلت صدمة كبيرة للدولة الاتحادية، التي كانت من أوائل دول القارة الأوروبية ترحيباً باللاجئين السوريين، مثلما ظلت طوال العقود الماضية الأكثر دعماً وتعاطفاً مع قضايا العرب، والمنطقة عموماً.
اليوم، يزور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان النصب التذكاري لضحايا هجوم برلين، في خطوة تتجاوز الأبعاد الرمزية والبروتوكولية، إلى موقف إماراتي ثابت من الإرهاب ومراجعه الفكرية، وأذرعه، وبيئاته وحواضنه الثقافية والاجتماعية، وإلى رسائل سياسية، تدعو المجتمع الدولي إلى الاقتراب أكثر فأكثر من فهم منطقتنا، ومنطلقات الصراع فيها، وكيف عبثت تنظيمات ودول متطرفة بالإقليم، ولا تزال ترسل الإرهابيين لإطلاق الصواريخ، وتفخيخ السفن.
ألمانيا الاتحادية تستقبل سموه للمرة السادسة، منذ العام 2006، ثم ثلاث زيارات للمستشارة أنجيلا ميركل إلى الإمارات، وبين البلدين أطر وقنوات كثيرة للتعاون السياسي والاقتصادي واتفاقيات علمية وشراكات تجارية، وتعتبر الإمارات مقراً إقليمياً لعشرات الشركات الألمانية، وتتطلع الدولتان إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى أكثر من 48 مليار درهم في 2017.
ومن المعروف عن السياسة الخارجية الألمانية أنها تولي اهتماماً استثنائياً بعلاقتها مع الدول العقلانية المعتدلة، ويعتبر ذلك أساساً للعلاقات الاقتصادية، ويتيح مزيداً من الثقة المتبادلة، التي تمنح أفضلية لهذه الدولة أو تلك في التعاون الثقافي، وتبادل الخبرات، وزيادة حجم الاستثمار، وفي هذا الصدد، فإن الإمارات، تستحوذ على ثلث إجمالي التجارة الخارجية الألمانية مع العالم العربي.
بهذا المعنى، فإن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تتأسس على أكثر من قاعدة، أولاها، احترام برلين لجهود سموه المباشرة في تعزيز السلام ومحاربة الإرهاب، وثانيتها قيادة سموه أكثر من مشروع لإرساء العقلانية السياسية نهجاً في التعامل مع ملفات الصراع الأساسية في المنطقة، وثالثتها، سمعة الإمارات الدولية الراسخة في التنمية والحداثة، إضافة إلى ما تشكله أبوظبي من مركزية منتجة في مأسسة التسامح وحوار الأديان في العالم.
ألمانيا، ترتبط بشبكة مصالح سياسية واقتصادية واسعة في المنطقة، ومن المتوقع أن تساهم زيارة سموه في جلاء أكثر من صورة عن بؤر الصراع والاضطراب في الإقليم من ليبيا والسودان إلى اليمن وسورية والعراق، وأخيراً إلى محاولة إيران تهديد حركة الملاحة والنقل في الخليج العربي، والفاعلية الألمانية أساسية جداً داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصاً في ما يتعلق بطموحات طهران النووية.