بقلم - حمد الكعبي
عندما يجلس مواطن في مقهى، ويريد زيادة مستوى التفاعل مع حسابه على «تويتر»، فلديه ما يشاء من مساحات التعبير، ومن خيارات المحتوى، على أن يتوخى كتابة رأيه، ولا يتقمص دور المسؤول أو السياسي الرسمي، ويخوض في شؤون حساسة، ليبدو في موقع يخوله الإدلاء بتصريح، أو الكشف عن معلومة مفترضة، أو المطالبة بإجراء سيادي.
الحديث هنا عن النقد المحدد والواضح الذي وجهه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لـ «العبث والفوضى» على وسائل التواصل الاجتماعي، اللذين يستنزفان رصيداً متراكماً منذ خمسة عقود من الصدقية والنزاهة والاحترام، وليس عن حرية التعبير وهوامشها، والقوانين والمبادئ التي تنظم عملها، فسموه من أكثر القادة العالميين حضوراً في الإعلام الاجتماعي، ويعرف مكاسب اتساع طبقة المعلومات والأفكار رقمياً، بفضل ثورة الاتصال، وانعكاسها على التنمية والازدهار.
نعم، هناك «عبث وفوضى»، وقد شاهدنا عناوينها وتفاصيلها في التفاعل مع الحدث اليمني الأسبوع الماضي. تابعنا أكثر من وسم، وقرأنا تغريدات ضارة بسمعة الإمارات، تزامناً مع ضربات وجهتها قواتنا المسلحة للميليشيات الإرهابية في عدن، ومع حملات مكثفة تشنها علينا قطر وتركيا وخلايا الإخوان المنتظمة في جيوش إلكترونية على اتساع الشبكة.
لدينا معركة جدية مع الإرهاب في اليمن، ولا يجب أن تكون تحت رحمة مغرد، أعجبته جملة معينة، فأطلقها وسماً، وتبعه آلاف المؤيدين. بعض مَن غرّد مطالباً بانسحاب قواتنا من اليمن، لا يعرف شيئاً عن تفاصيل العمليات الميدانية، ولا عن القواعد العسكرية لإعادة الانتشار، ولا عن الجهود السياسية التي تبذلها وزارة الخارجية والتعاون الدولي في هذا السياق، وحُسن النية ليس مبرراً هنا.
حروب «تويتر» في تزايد خلال السنوات الماضية، ومعارك الـ «الهاشتاغ» ليست جديدة على منطقتنا، ومواجهة مغردين مناوئين يجب أن تعبر عن سنعنا وقيمنا وإرث زايد، حتى وإن سقط خصومنا في الكذب والشطط والإساءة للأشخاص والحرمات، وقد لخص ذلك سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، حينما كتب أن «التغريد من أجل الوطن مهمة نبيلة، نؤديها بأخلاق عالية، وبعقلانية تعكس تحضرنا، وبمنطق يخاطب العقول ويفتح القلوب».
فهل نحن في حاجة لنتذكر، قبل أن يكتب أحدنا تغريدة عابرة، أنها ربّما تعلقت بحياة جندي من جنودنا الأبطال، أو بمصلحة وطنية، يعمل مسؤولون وسياسيون بصمت على إنجازها، ثم لماذا يصر بعضنا على تقديم نفسه خبيراً في الاقتصاد والسياسة، وفي الحرب والسلام، فتأخذه الحماسة المدفوعة بالشعوبية إلى تقمص أدوار وزارات ومؤسسات سيادية، تعمل في ظروف بالغة الدقة والصعوبة؟
ينبغي أن نستثمر هوامش الحرية المتاحة، بقدر عال من المسؤولية والوطنية، ودائماً علينا ألا نشبه خصومنا.