بقلم: محمد صلاح
منذ هبت أعاصير الربيع العربي على المنطقة تحولت دول عربية إلى مساحة يومية في وسائل إعلام غربية لا تخفي غضبها من صمود شعوب ضد الإرهاب والثورات والفوضى، لم يعد الهدف البحث عن المعلومات ونشرها أو بثها، أو تحليل السياسات والقرارات وطرح رؤى وأفكار، وإنما تضليل المجتمعات وتفتيتها وبث الفتن فيها وإفسادها.
ومن الطبيعي أن يقفز هنا السؤال إلى الأذهان: لماذا تكره بعض وسائل الإعلام الغربية دولاً عربية كالسعودية ومصر والإمارات والبحرين ولا تنشر مواد أو مقالات عنها إلا إذا كانت سلبية، أو قل مؤذية؟
قد يفسر بعضنا الأمر على أن هناك بعض العنصرية التي تتعلق بنظرة جزء من الغرب عموماً إلى العرب، لكن الحدة والإصرار والتكرار في الإساءة إلى الدول الأربع يجعلك على يقين بأن الأمر يتجاوز موروثاً ثقافياً، أو مشاعر قديمة تتجدد، أو حتى ناتج عن انطباعات خاطئة أو معلومات ناقصة؛ صحيحة أيضاً مسألة الارتباط بين بعض هذه الصحف أو تلك القنوات بأجهزة استخبارات غربية تستخدمها أحياناً للضغط على هذه الدولة أو تلك للحصول على مكاسب سياسية، أو تحقيق أرباح اقتصادية أو حتى انتصارات معنوية، لكن أمور كتلك تكون عادة موسمية، أو كلما طرأ جديد على الساحة السياسية دولياً أو أقليمياً، أو حين يكون لدولة غربية بعينها مطالب أو رغبات تسعى إلى تحقيقها لدى دولة عربية أو أكثر، أو لتفادي رد فعل غاضب من جانب العرب تجاه المجازر الإسرائيلية مثلاً في فلسطين، أما أن يتحول استهداف السعودية أو مصر أو الإمارات أو البحرين بواسطة الإعلام الغربي إلى سلوك يومي مستمر لا يتوقف فمسألة تتخطى ألاعيب سياسية أو منافسات الاقتصاد. التحالف بين قطر وتركيا والإخوان ليس سراً بل يدركه الجميع، كما أن الأطراف الثلاثة تفتخر به وتسوق له وتبشر بنتائجه، والمنصات الإعلامية القطرية والقنوات التي تبث من تركيا واللجان الإلكترونية الإخوانية المنتشرة في العالم لا تكف عن توجيه الأذى إلى السعودية ومصر والإمارات والبحرين، لكون شعوب الدول الأربع تمثل حائط صد ضد الطموحات التركية والأحلام القطرية والمساعي الإخوانية. قد تعتقد تركيا أن نشر الفوضى يفتح لها المجال للقيادة والتوسع والهيمنة، وربما لدى حكام قطر مشاعر حقد تجاه دول أخرى حققت ذاتها وتفوقت وحظيت بتقدير العالم واحترامه. أما الإخوان فحدث ولا حرج عن أوهام ظلت تغازل قادة الجماعة وعناصر ذلك التنظيم لحكم مصر والانطلاق منها إلى باقي الدول العربية، وتبخر الحلم وتحول كابوساً كبيراً دون أن تتمكن الجماعة من تجاوز محنتها، بعدما وجدت مصر عوناً ودعماً ومساندة من السعودية والإمارات والبحرين. يفترض هنا أن وسائل الإعلام الغربية تابعت الأحداث والتطورات منذ ضرب الربيع العربي المنطقة، ورصدت مؤامرات الإخوان والدول والجهات المتحالفة معهم، لكن واقع الحال يشير إلى أن قطاعاً من الإعلام الغربي تحول ذراعاً في أيادي الإخوان ومعولاً تستخدمه تركيا وناراً تشعلها قطر لتحقيق الأهداف نفسها التي تسعى إليها المنصات القطرية والقنوات التركية واللجان الإخوانية.
حقيقة أن بعضاً من الحملات في وسائل الإعلام الغربية عبارة عن إعلانات مدفوعة الأجر، لكن الأخبار والمقالات والتقارير السياسية التحريرية المغرضة تُمرر بواسطة من جرى تجنيدهم، وعلى مدى سنوات اختُرقت مؤسسات إعلامية راسخة، وتم سرطنتها لتؤدي الدور المطلوب منها عند اللزوم. أما السؤال عن مدى استفادة الغرب من تفشي الإرهاب في المنطقة العربية ونشر الفوضى فيها فالإجابة عنه بين سطور مشروع الشرق الأوسط الكبير ونظرية الفوضى الخلاقة التي مازالت مؤسسات غربية تؤمن بها وسائل إعلام ومراكز بحثية في الولايات المتحدة ودول أوروبية تحاول إحياءها بعد موتها، أو حتى الاستفادة من بعض بنودها لتحقيق مصالح ضيقة.
الجديد في الأمر أن مؤسسات إعلامية غربية، ظلت تحظى على مدى سنوات باحترام جمهورها وتقدير متابيعها، صارت لا تخجل وهي ترى العاملين فيها يسيرون خلف المنصات الإعلامية القطرية، واللهث وراء القنوات التركية، وينفذون أجندة التنظيم الدولي للإخوان، ولا تستحي حين تظهر أخبارها كاذبة أو تقايرها مزيفة أو موادها مفبركة، وبعدما كانت الجامعات والإكاديميات تستعين بالكود الأخلاقي والمهني لتلك المؤسسات لتطبيقه والاستفادة منه صارت تعرضه باعتباره نموذجاً سيئاً ورديئاً يجب تجنبه، وتفادي الوقوع فيها!!
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع