لبنان بين الحسابات الكبيرة والصغيرة

لبنان بين الحسابات الكبيرة والصغيرة

لبنان بين الحسابات الكبيرة والصغيرة

 صوت الإمارات -

لبنان بين الحسابات الكبيرة والصغيرة

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

بات واضحا انّ "حزب الله" لا يريد تشكيل حكومة. ليس ميشال عون رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل، الذي يمارس عمليّا دور الرئيس، سوى منفذين لسياسة يضعها الحزب الذي لا يهمّه لبنان بمقدار ما يهمّه ان يكون لبنان مجرّد ورقة إيرانية.

مرّة أخرى، يتبيّن ان إصرار "حزب الله" على ان يكون ميشال عون رئيسا للجمهورية في العام 2016، كان إصرارا في محلّه. ينفّذ رئيس الجمهورية كلّ ما هو مطلوب منه. لديه حقدّ على اهل السنّة في لبنان وعلى رفيق الحريري بالذات بما لا يقاس مع حقد أي طرف آخر، بما في ذلك "حزب الله" الذي دانت المحكمة الدولية احد أعضائه البارزين في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005.

مجرّد ارسال استمارة مطلوب تعبئتها الى رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري مساء الاحد، أي قبل اقلّ من 24 ساعة من توجهه الى قصر بعبدا، يدلّ على كلّ هذا الحقد. لعلّ تعبير "حضرة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري" يكشف ما يعتمل في صدري ميشال عون وجبران باسيل اللذين ارادا عمليا استفزاز سعد الحريري بأسلوب رخيص وجعله يمتنع عن التوجه الى قصر بعبدا يوم الاثنين استنادا الى موعد سابق.

كانت خطوة رئيس الوزراء المكلّف الذي اصرّ على التوجه الى قصر بعبدا وعقد اجتماع مع رئيس الجمهورية في غاية الذكاء واللباقة. رفض قبل كلّ شيء النزول الى مستوى المهاترات التي لجأ اليها الثنائي ميشال عون – جبران باسيل. بقي سعد الحريري محترما لنفسه ولمقام رئاسة الجمهورية في وقت مصير لبنان ومستقبله مطروحان جدّيا.رسالة الرئيس عون للحريري 

كشفت الورقة التي اخذت شكل استمارة مطلوب تعبئتها والتي بعث بها "فخامة رئيس الجمهورية" الى "حضرة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري" غياب ايّ جدّية في التعاطي مع مجموعة الازمات التي يعاني منها لبنان. الأكيد ان ليس بالنكايات والمهاترات والصغائر يمكن اخراج بلد من حال انهيار يعاني منها. الأكيد انّه لا يمكن الاستعانة بالصغائر لمنع تشكيل حكومة لبنانية قادرة على التعاطي مع المجتمع الدولي والمؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولي وإعادة مدّ الجسور بين لبنان والعرب. الأكيد أنّ الصغائر لا يمكن ان تخرج لبنان من الازمة العميقة التي وجد نفسه فيها والتي هي في الواقع مجموعة أزمات يوجد ترابط في ما بينها.

اغلق ميشال عون، بناء على رغبة "حزب الله"، ملفّ تشكيل حكومة لبنانية جدّية من النوع الذي قدّمه سعد الحريري الى رئيس الجمهورية قبل مئة يوم. ماذا سيحدث بعد ذلك وبعد تكريس القطيعة بين رئيس الجمهورية واهل السنّة في لبنان. لماذا الكلام عن اهل السنّة؟ الجواب واضح كلّ الوضوح. عندما يتعامل رئيس الجمهورية بالطريقة التي تعامل بها ميشال عون وجبران باسيل مع سعد الحريري، فهذا يدلّ عن وجود رغبة واضحة في اذلال موقع رئيس مجلس الوزراء الذي يفترض ام تشغله شخصية سنّية.

في نهاية المطاف، ثبت ما كان متداولا منذ فترة طويلة عن ان رئاسة الجمهورية في لبنان التي يسيطر عليها جبران باسيل ويتحكّم بها، باتت في تصرّف "حزب الله". بعد الخطوات الأخيرة التي أقدمت عليها الرئاسة، لم يعد من شكّ في ذلك. هناك سلسلة من الأوامر أصدرها حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" في خطابه الأخير وجدت لها ترجمة في التصرّفات الأخيرة لميشال عون واصراره على اظهار سعد الحريري وكأنّه موظف صغير عنده وليس رئيس الوزراء المكلّف في الجمهورية اللبنانية.رسالة الرئيس عون للحريري 

كان لافتا البيان الذي أصدرته حركة "امل" الشيعية التي وجد رئيسها نبيه برّي (رئيس مجلس النواب) ان لا بدّ من ردّ على "حزب الله" المفترض ان يكون حليفه وان ينسّق كل مواقفه معه بشكل مسبق. يعرف السياسي العتيق نبيه برّي جيدا مزاج الشارع اللبناني، بما في ذلك الشارع الشيعي، ويعرف معنى انهيار مؤسسات الدولة اللبنانية وتحوّل قيمة ما يقبضه الموظف العادي من الف دولار شهريا الى مئة دولار. لذلك، صدر عن المكتب السياسي لـ"امل" بيان فريد من نوعه يردّ على "حزب الله" الذي كان دعا الى تشكيل حكومة تضمّ سياسيين. جاء في البيان: "يجدّد المكتب السياسي مطالبته الاسراع في تشكيل حكومة إختصاصيين غير حزبيين وفق ما تم التوافق عليه في المبادرة الفرنسية بعيداً عن منطق الأعداد والحصص المعطلة وتحوز ثقة المجلس النيابي وكتله، وتكون قادرة وبسرعة على إطلاق ورشة الاصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي، ولديها القدرة على إعادة ثقة اللبنانيين بوطنهم، وتعزيز علاقات لبنان الخارجية ومع المؤسسات الدولية، وإدارة حوار بنّاء ومسؤول لإعداد حفظ الخروج من الازمة".

 ما الذي جعل "حزب الله" يذهب بعيدا في وضعه كلّ العراقيل في وجه تشكيل حكومة لبنانية وكشف مدى تأثيره على ميشال عون وجبران باسيل في الوقت ذاته؟ هل الى هذه الدرجة لبنان مهمّ لإيران التي تخوض معركة عض أصابع مع الإدارة الأميركية الجديدة... أو هل الى هذه الدرجة تعتقد ايران ان لبنان مهمّ بالنسبة الى الولايات المتحدة والإدارة الجديدة فيها؟

من الطبيعي طرح مثل هذا السؤال في وقت كانت "الجمهورية الاسلاميّة" تعتقد ان مجرّد انتصار جو بايدن على دونالد ترامب سيؤدي الى رفع "العقوبات القصوى" التي فرضتها الادارة الأميركية السابقة. يبدو واضحا ان حسابات "الجمهورية الاسلاميّة" لم تكن دقيقة. لا رفع للعقوبات الاميركية قبل التفاوض في شأن اتفاق جديد يتعلّق بالملفّ النووي الإيراني. ولا تفاوض قبل موافقة ايران على انّ أي مفاوضات معها لا يمكن ان تقتصر على الملفّ النووي، بل يجب ان تشمل الصواريخ الباليستيّة وسلوك "الجمهوريّة الاسلاميّة" خارج حدودها.

ما يحصل في لبنان حاليا على ارض الواقع انّ "حزب الله" يربط تشكيل الحكومة بسياسات كبرى ذات طابع إقليمي ودولي، في حين ليس لدى ميشال عون وجبران باسيل سوى سياسات صغيرة مرتبطة بأحقاد وعقد شخصيّة وهاجس اسمه خلافة جبران باسيل لميشال عون في قصر بعبدا...

بين الحسابات الكبيرة لـ"حزب الله"، ومن خلفه "الجمهورية الاسلاميّة"... والحسابات الصغيرة لرئيس الجمهورية وصهره، يزداد يوميّا الخوف على لبنان الذي تجاوز مرحلة الدولة الفاشلة الى ما هو أسوأ بكثير من ذلك في "عهد حزب الله"!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان بين الحسابات الكبيرة والصغيرة لبنان بين الحسابات الكبيرة والصغيرة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates