ايران والعجز عن ابتلاع العراق

ايران والعجز عن ابتلاع العراق

ايران والعجز عن ابتلاع العراق

 صوت الإمارات -

ايران والعجز عن ابتلاع العراق

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

مرّة أخرى تحاول ايران تأكيد ان العراق لن يفلت منها وأنّ لا عودة الى ما قبل العام 2003 عندما سلمتها إدارة جورج بوش الابن احد اهمّ البلدان العربيّة على صحن من فضّة. كان عليها انزال ميليشيا عراقية تابعة لها الى شوارع بغداد قبل ايّام من اجل ترهيب كبار المسؤولين العراقيين. لم تنجح في ذلك. يعود الفشل الإيراني الى وجود وطنيّة عراقية تكوّنت مع الوقت واستعادت حيويتها بفضل المكوّن الشيعي العربي اوّلا.

مرّة أخرى، يلعب النظام الإيراني لعبة السعي الى السيطرة على العراق من منطلق ان مستقبله في هذا البلد وليس في مكان آخر. هذا ما يفسّر تلك الاستماتة الإيرانية من اجل بقاء العراق دولة خاضعة لـ"الجمهورية الاسلاميّة" عبر ميليشياتها المذهبيّة. لم تكن هناك من انطلاقة جديدة للمشروع التوسّعي الإيراني الّا من العراق الذي دخلته الميليشيات العراقية التابعة لإيران على دبّابة أميركية مع سقوط بغداد في التاسع من نيسان – ابريل 2003.

يظلّ العراق بالنسبة الى "الجمهورية الاسلاميّة" الجائزة الكبرى التي حلمت دائما بها وما زالت تحلم بها. بفضل العراق، استطاعت ايران توفير حياة جديدة لمشروعها التوسّعي الذي توقّف في العام 1988 عندما اضطر آية الخميني الى "تجرّع كأس السمّ" ووقف الحرب مع العراق. تحقّق شبه انتصار عراقي وقتذاك. بين ما ساهم في تحقيق شبه الانتصار في حرب مكلفة بالرجال والعتاد والأموال، تصدّي العراق لعملية "تصدير الثورة الإيرانية". ارادت ايران اجتياح العراق من منطلق انّه كان يشكّل هدفا سهلا. تبيّن من خلال حرب السنوات الثماني انّ سقوط العراق ليس بالسهولة التي يتصورّها النظام الإيراني الجديد الذي قام بعد سقوط الشاه.

فوق ذلك كلّه، تأكّد مع مرور الوقت انّ النظام في ايران لا يعرف الكثير عن العراق. يستطيع هذا النظام الاستفادة من كلّ الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق الذي كان على رأسه صدّام حسين بعقله الريفي وثقافته البعثية المتواضعة، وهي أصلا ثقافة تبسيطية تمنعه من فهم المعادلات الدوليّة والاقليمية. ما لا يستطيعه النظام في ايران، هو استيعاب ما على المحكّ في العراق وانّ الوضع فيه اكثر تعقيدا مما يتصورّه نظام يمتلك الدهاء والحنكة والمعرفة في كيفية الاستثمار في الغرائز المذهبيّة لكنّه لا يمتلك نموذجا قابلا للحياة يستطيع تقديمه الى محيطه وما هو ابعد من هذا المحيط.

ترفض ايران في 2021 الاعتراف بانّ العراق هو العراق وايران هي ايران وانّ الحدود بين البلدين وجدت لتبقى. ليس العراضة المسلّحة التي قامت بها في شوارع بغداد قبل ايّام عناصر تنتمي الى ما يسمّى "ربع الله" مجرّد تمرّد منعزل عن سياسة إيرانية تستهدف منع العراق من ان يكون سيّدا لقراره.

ثمّة هدفان لهذه العراضة التي تبرّأ منها، حتّى، رجل دين يمارس السياسة كان محسوبا على ايران مثل مقتدى الصدر. يتمثّل الهدف الاوّل في اجبار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على اطلاق نحو مئة معتقل ينتمون الى ميليشيات اوقفهم الامن العراقي على دفعات في قضايا مرتبطة بتنفيذ اعتداءات على اهداف أميركية وغير اميركية. امّا الهدف الثاني، فهو يعكس رغبة إيرانية في بقاء العراق معزولا عربيا والحؤول دون استضافته لقمّة ثلاثية ستجمع قريبا بين مصطفى الكاظمي والرئيس عبدالفتاح السيسي والملك عبدالله الثاني. لم يعد مقبولا، إيرانيا، ان تكون بغداد عاصمة تعقد فيها لقاءات عربيّة. مفروض في العراق ان يسير في الخط الذي ترسمه له طهران. هذا ما رفضه رئيس الوزراء العراقي الذي بعث برسالة واضحة الى المعنيين في طهران بانّه يرفض الرضوخ لما تطلبه ميليشيا مذهبيّة من جهة وان يكون مجرّد منفّذ لأوامر يصدرها "المرشد" الإيراني علي خامنئي من جهة اخرى.

ليس سرّا ان الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء ليسا معاديين لإيران، لكن الكردي (رئيس الجمهورية) والشيعي العربي (رئيس الوزراء) يثبتان مجدّدا انّهما عراقيان اوّلا وان عليهما السعي الى تلبية مطالب العراقيين والاستجابة لطموحاتهم في بلد يحتاج النظام فيه الى إعادة تشكيل كاملة في ضوء التجارب الفاشلة التي مرّ فيها منذ العام 2003. ما كشفته التجارب، التي تلاحقت منذ سقوط النظام السابق، انّ الامل غير مفقود باستعادة العراق وضع الدولة السيّدة من جهة وان الثنائي برهم صالح – مصطفى الكاظمي ما زال يقاوم، من جهة أخرى. يقاوم الثنائي من اجل التأسيس لعراق جديد لا يكون مجرّد تابع لإيران، لكنّه ليس بلدا معاديا لها في الوقت ذاته.

الاكيد انّ هناك عوامل داخليّة عدّة وتعقيدات كثيرة تعمل ضدّ إعادة تأهيل العراق المستمرّ في انفتاحه على دول الخليج العربي. يدلّ على التوجه نحو الانفتاح الاتصال الأخير بين الملك سلمان ومصطفى الكاظمي والدعوة التي وجّها العاهل السعودي الى رئيس الوزراء العراقي من اجل زيارة الرياض.

واضح ان العراق مستهدف إيرانيا. واضح اكثر ان "الجمهورية الإسلامية" تسعى الى عزله عربيّا ومنعه من متابعة الحوار الاستراتيجي مع الإدارة الأميركية. ما ليس واضحا رهان ايران على ان في استطاعتها ان تحكم العراق عبر ميليشياتها وان "الحشد الشعبي" في العراق يمكن ان يلعب دور "الحرس الثوري" في "الجمهورية الاسلاميّة".

العراق لقمة تعجز ايران عن ابتلاعها. سيبقى السؤال المطروح في المدى المنظور، في ضوء نجاح العراق في اثبات انّه يتجه الى ان يكون دولة طبيعية، هل من سبيل لجعل ايران تستوعب انّ عليها الاهتمام بشؤونها الداخلية قبل ايّ شيء آخر.

اثبت العراق انّه يسعى الى ان يكون دولة طبيعية. استقبل البابا فرنسيس قبل نحو ثلاثة أسابيع. زار رأس الكنيسة الكاثوليكية مناطق عراقيّة مختلفة. اكّدت زيارته ان المجتمع العراقي، على الرغم من كلّ ما تعرّض له من هزات داخلية وتمزيق لنسيجه منذ الانقلاب العسكري المشؤوم في 14 تموز- يوليو 1958، ما زال يحتفظ ببعض السمات الحضارية.

يفترض في ايران الاستفادة من بقايا مثل هذه السمات الحضارية في المجتمع العراقي بدل العمل على القضاء عليها عبر ميليشياتها والفكر الذي تحمله. مثل هذا التصرّف قد يخدم النظام فيها اكثر بكثير مما يخدمه السعي الى الهيمنة على العراق. هل تريد ان تكون ايران دولية طبيعية ام لا، او بالاصحّ هل تستطيع ذلك؟ ام تعتقد ان لا مستقبل لنظامها اذا لم يستمرّ في ممارسة لعبة الهروب الى خارج حدوده... الى العراق اوّلا!     

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ايران والعجز عن ابتلاع العراق ايران والعجز عن ابتلاع العراق



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates