حدود دول أفريقيا في أصيلة

حدود دول أفريقيا في أصيلة!

حدود دول أفريقيا في أصيلة!

 صوت الإمارات -

حدود دول أفريقيا في أصيلة

بقلم : خير الله خير الله

 

أكثر من أي سنة يبدو منتدى أصيلة توأماً للمدينة نفسها، خصوصاً من الناحية الجمالية. صار منتدى أصيلة في موسمه الـ45 الذي يقف وراءه رجل اسمه محمد بن عيسى، وزير الخارجية المغربي سابقاً رئيس المجلس البلدي للمدينة، شبيها بالمدينة. صارت المدينة التي تطورت بكل المقاييس، بما في ذلك المقياس الحضاري، شبيهة بالمنتدى. لم يعد ما يفرّق بين موسم أصيلة وبين المدينة بعدما تطورت أصيلة من كلّ ناحية بدءاً بالعمران ذي المسحة الجمالية والوجه الحضاري.

من بين المواضيع الأساسيّة لمنتدى أصيلة لهذا الموسم. كانت ندوة فكريّة ناقشت موضوع «أزمة الحدود في أفريقيا ومساراتها الشائكة». الموضوع في غاية الصعوبة والدقّة. يقول محمّد بن عيسى في هذا الصدد: «إن أزمة الحدود في أفريقيا تطرح إشكالات تمسّ السيادة ووحدة الوطن، بل تمسّ أساس جوهر الوجود الذي تقوم عليه الأوطان... هناك أسباب عدة لأزمة الحدود التي لم تعالج في وقتها بالحزم الذي يستدعيه الموقف على قاعدة مبدأ الإنصاف المنسجم مع حقائق التاريخ والجغرافيا». أشار بن عيسى، في هذا السياق، إلى أنّ ذلك «جعل دولاً وأنظمة معيّنة تستفيد من مخلفات هذا الوضع لأغراض توسعيّة. الأدهى أن تظلّ تلك الأنظمة مصرّة على تثبيت وضع هو من مخلفات الحقبة الاستعماريّة».

في الواقع، يبدو موضوع الحدود بين الدول الأفريقيّة قصة نجاحات ونصف نجاحات وإخفاقات، بل كوارث في الوقت ذاته. في أساس الكوارث الإرث الثوري الذي احتفظت به دول عدّة وهو إرث لا علاقة له ببناء مؤسسات لدولة حديثة تستطيع التعاون مع محيطها بكلّ واقعية بما يخدم المصالح المشتركة بعيداً عن عقد التخلص من الاستعمار. التخلص من الاستعمار شيء والبقاء في أسر الاستعمار والسعي إلى الاستفادة من الحدود التي خلفها شيء آخر. بات الاستعمار في دول أفريقية عدة مبرراً للهرب من الواقع وتحمّل المسؤوليات التي يفترض بهذه الدولة أو تلك تحملها.

عندما يتعلق الأمر بالحديث عن النجاحات، يمكن الذهاب إلى تجربة جنوب أفريقيا التي استطاعت الانتقال من الدولة العنصرية إلى دولة طبيعيّة. كان في استطاعة جنوب أفريقيا، بفضل إرث مانديلا، ولوكليرك، أن تلعب دوراً أكثر إيجابية على الصعيد الأفريقي. كان ذلك ممكناً لو استطاعت جنوب أفريقيا التخلص من عقد كثيرة سببها البقاء في أسر الإرث الثوري للمؤتمر الوطني الأفريقي، وهو إرث لا علاقة له بما يدور فعلاً على أرض الواقع.

من هذا المنطلق وبسبب الإرث الثوري بجوانبه المضحكة المبكية في أحيان كثيرة، عجزت جنوب أفريقيا عن لعب دور طليعي على صعيد القارة، علماً أنّها كانت قادرة على ذلك بعيداً عن تأثير دول من داخل القارة مثل الجزائر أو من خارجها مثل إيران. ربطتها هذه الدول بأجندة جامدة جعلتها عاجزة عن مواكبة الأحداث والتطورات في القارة أو في العالم.

في غياب الوعي السياسي الشامل لدى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، فشلت جنوب أفريقيا في ملاقاة قصص نجاح على صعيد القارة والمساهمة في أن تكون نموذجاً يحتذى به. لذلك، لا يمكن الحديث عن دور جنوب أفريقي إيجابي خارج حدود البلد على الرغم من أن الانتقال من دولة عنصرية إلى دولة طبيعية كان نجاحاً كبيراً، خصوصاً أنّ هذا الانتقال لم يمس بالاقتصاد الوطني الذي لايزال يسيطر عليه البيض. لم ترتكب جنوب أفريقيا، بفضل نلسون مانديلا، خطأ روبرت موغابي، الذي أخذ زيمبابوي إلى كارثة أفقرتها بعدما اعتقد أن السيطرة على مزارع البيض كفيل بإنقاذ البلد واقتصاده... وإطعام الفقراء.

لا تحجب قصة نصف النجاح الجنوب أفريقي، التي تعتمد على الحفاظ على الإرث الثوري الذي في أساسه الكفاح والنضال في وجه العنصرية، كوارث كثيرة حلت بالقارة. في مرحلة معيّنة برزت شخصيات كانت تنشر الغوغاء عن طريق توزيع الأموال. من بين تلك الشخصيات الراحل معمر القذافي، الذي اعتقد أنّه قائد ملهم وملك ملوك أفريقيا، متجاهلاً أنّ لا أحد يأخذه على محمل الجدّ لو لم يكن يوزع المال يميناً ويساراً في حين لا فكر بناء لديه ولا سياسة واضحة في أي مجال من المجالات.

هناك ما يزيد على عشر دول فاشلة في مقدمتها السودان والصومال. لا يخلو جزء من أفريقيا من دون مشاكل حدودية خلفها مؤتمر برلين للعام 1885، الذي قرّرت فيه الدول المستعمرة رسم حدود الدول الأفريقية، بما يخدم مصالحها. حالت الدول الفاشلة التي قامت في أفريقيا، في مرحلة ما بعد رحيل الاستعمار، دون إيجاد حل لمشاكل الحدود بطريقة تخدم المصالح المشتركة للدول والشعوب.

في أساس الفشل غياب الدول القادرة على بناء مؤسسات وأنظمة تستجيب لمتطلبات العصر. ففي السودان، الذي ليس معروفاً مصيره بعد، من يستطيع التكهن بمستقبل البلد الشاسع الذي انفصل في الماضي عن مصر وحصل على استقلاله وما لبث أن انفصل جنوبه عن شماله. البقية تأتي حالياً في شمال السودان حيث تدور حرب عبثية بين الإخوة الأعداء، بين جنرالين ليس من يعرف ما الذي يريده أحدهما من الآخر.

صحيح أن مؤتمر برلين وضع الأسس لنزاعات أفريقية لا تنتهي، لكن الصحيح أيضاً أنّ المسؤولية تقع على الدول الأفريقية نفسها. فشلت معظم هذه الدول في بناء دولة مؤسسات تضع مصلحة شعوبها فوق كلّ مصلحة أخرى بدل بيع الأوهام والمتاجرة بالشعارات من نوع شعار «حق تقرير المصير للشعوب». إنّّه في بعض الأحيان، كما في حال الصحراء المغربيّة، شعار محقّ يراد به باطل.

من حسن الحظ هناك نجاحات أفريقية. تجسد هذه النجاحات دول عريقة، مثل المغرب، استطاعت أن تضع الأولويّة لرفاه شعوبها وأن تخطط لخط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب على سبيل المثال وليس الحصر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حدود دول أفريقيا في أصيلة حدود دول أفريقيا في أصيلة



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates