اردوغان أحلام واوهام وهوس ايراني

اردوغان... أحلام واوهام وهوس ايراني

اردوغان... أحلام واوهام وهوس ايراني

 صوت الإمارات -

اردوغان أحلام واوهام وهوس ايراني

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

لا يمكن الاستخفاف بالدور التركي الجديد في المنطقة في وقت يحاول رجب طيب اردوغان استعادة امجاد الإمبراطورية العثمانية. سيظلّ السؤال المطروح هل تمتلك تركيا وسائل تسمح لها بمتابعة سياستها التي يدعمها حاليا المال القطري؟ ماذا سيحصل في حال توقف هذا المال يوما؟

الجواب بكلّ بساطة ان الرئيس التركي يتصرّف على طريقة أولئك الزعماء الذين يصلون الى مرحلة يفقدون فيها القدرة على الاحتفاظ بعقل راجح. ليس مستغربا ان يكون اردوغان أصيب بالهوس الذي أصيبت به ايران التي باتت تعتقد بعد العام 1979 ان في استطاعتها لعب دور القوّة المهيمنة في المنطقة وباتت تحلم بإقامة الهلال الفارسي الذي يصل طهران ببيروت، عبر بغداد ودمشق. لم تكتف ايران بذلك، بل احتفلت في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 بسقوط صنعاء في يدها بعدما دخلها الحوثيون الذين يشكلون ميليشيا من الميليشيات المذهبية التي يديرها "الحرس الثوري" و"فيلق القدس" تحديدا. كان هذا الفيلق بقيادة قاسم سليماني قبل تصفيته بواسطة الاميركيين في الثالث من كانون الثاني – يناير الماضي.

يأتي تحرّك اردوغان خارج حدود تركيا في ذكرى مرور مئة عام على مؤتمر سان ريمو الذي قُسّم فيه الشرق الأوسط، باشراف عصبة الأمم (المنظمة الدولية التي كانت قائمة قبل نهاية الحرب العالمية الثانية) بين بريطانيا وفرنسا. تولّى مؤتمر سان ريمو توزيع تركة الإمبراطورية العثمانية التي انطوت على نفسها وانصرفت الى إعادة ترتيب الشؤون الداخلية لتركيا التي ما لبثت ان تحوّلت الى جمهورية علمانية على رأسها مصطفى كمال اتاتورك. كان اتاتورك ضابطا عرف كيف يشرف على انهيار الدولة العثمانية باقلّ مقدار ممكن من الخسائر وان يجعل تركيا قادرة على التصالح مع محيطها ومع الحقائق الدولية الجديدة بعيدا عن الأوهام التي يبدو انّها ما زالت راسخة في رأس الاخونجي رجب طيّب اردوغان. من الواضح ان الرئيس التركي لا يستطيع التخلّص من مرض الاخوان المسلمين المتمثّل في الشبق الى السلطة والتوسع من دون اخذ في الاعتبار للواقع ولموازين القوى في العالم.

ليس معروفا بعد هل سيتمكن اردوغان من تحقيق طموحاته في ضوء تسجيله نقاطا في ليبيا وفي ظلّ القبول الأميركي - الروسي – الإسرائيلي ببسط الهيمنة التركية على شمال سوريا. صار الوجود التركي في الشمال السوري على طول الشريط الحدودي بين البلدين امرا واقعا، تماما مثل الوجود التركي في قبرص، وهو وجود يغطي مساحة نحو 35 في المئة من مساحة الجزيرة ويشمل مناطق مهمّة مثل فماغوستا. الاتراك موجودون عسكريا في قبرص كقوّة احتلال منذ صيف العام 1974 بحجة حماية القبارصة الاتراك الذين يشكّلون نسبة 18 في المئة من السكّان، أي منذ 46 عاما. استطاعوا اثبات ان وجودهم هناك سيكون دائما. وهذا ما يبدو انّ حال الشمال السوري ستكون عليه في وقت تشير معلومات اكيدة، الى حدّ كبير، الى ان تركيا تسعى في غضون شهرين الى توسيع وجودها في الداخل السوري وصولا الى مشارف حماة.

هذا ما سيظهر بوضوح اكثر بعد الزيارة المتوقّعة لانقرة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو، وهي زيارة كان مفترضا ان تكون جرت، لكنّها تأجلت الى موعد قريب.

ليس مستبعدا نجاح تركيا في سوريا، خصوصا ان نظام بشّار الأسد شبه منته بعدما تبيّن انّه جزء لا يتجزّأ من المشروع التوسّعي الإيراني الذي يواجه في هذه المرحلة صعوبات كبيرة تسببت بها العقوبات الأميركية. تبيّن ان "الجمهورية الاسلامية" التي أسسها آية الله الخميني في العام 1979 ليست سوى نمر من ورق. الدليل عجزها عن الردّ على اغتيال قاسم سليماني الذي يظهر يوميا الى ايّ حدّ كان رجلا مهمّا في مجال العمل على تحقيق ما تصبو اليه ايران في المنطقة، من العراق، الى سوريا، الى لبنان... وصولا الى اليمن.

يمكن لاردوغان ان ينجح في سوريا، لكنّ من المستبعد ان يحقّق أي نتائج إيجابية في ليبيا. مثله مثل ايران، لعب دورا يفوق قدرة اقتصاد تركيا على التحمّل. اكثر من ذلك، ادخل تركيا في متاهات سياسة تزعج أوروبا الى حد كبير. هناك حدود لابتزاز أوروبا وذلك على الرغم من عدم امتلاكها موقفا موحدا حيال ما يدور في ليبيا. لكنّ هناك، في المقابل، موقفا أوروبيا موحّدا من ترك تركيا تصل الى مرحلة تبتزّ فيها دول القارة عن طريق تسهيل هجرة الأفارقة اليها من الأراضي الليبية. هذه الأراضي على مرمى حجر من إيطاليا.

إضافة الى ذلك كلّه، ان تركيا تسيء مباشرة الى مصالح دولتين عضوين في الاتحاد الأوروبي هما اليونان وقبرص.

من المستبعد ان يكون مسموحا لتركيا السيطرة على قسم من المتوسط، أي التحكّم بهذا البحر من مضيق البوسفور الى خليج سرت في ليبيا. هذا ليس وقت إعادة الحياة الى الامبراطورية العثمانية. هذا وقت انصراف اردوغان الى معالجة مشاكل تركيا قبل ان يتوهّم بانّه صار قوة امبريالية تستطيع التدخل في اليمن والصومال أيضا، نعم في اليمن والصومال.

المشكلة انّه سيستحيل اقناع الرئيس التركي بانّه فشل في الداخل التركي وانّ فشله هذا لا يسمح له بامتلاك أي أوهام امبراطورية، خصوصا انّه ما زال يعيش في ظل هاجس اسمه هاجس الداعية الاسلامي فتح الله غولن اللاجئ في الولايات المتحدة والذي يمتلك شعبية كبيرة في الداخل التركي، شعبية مستقلّة عن الاخوان المسلمين الذين ينتمي اليهم اردوغان. جعل هذا الهاجس الرئيس التركي يشنّ في الأيام القليلة الماضية موجة اعتقالات شملت عسكريين وعناصر من الدرك وأطباء ومهندسين وصحافيين وأعضاء في مجلس النواب. في يوم واحد، يوم التاسع من حزيران – يونيو الجاري، اعتقلت السلطات التركية، حسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، 414 شخصا. معظم هؤلاء من العسكريين الذين اوقفوا بسبب ما يشتبه بعلاقة مع حركة غولن.

يتّهم اردوغان غولن بانّه كان وراء المحاولة الانقلابية في العام 2016. لا يزال الرئيس التركي اسير تلك المحاولة واسير عقدة غولن. من يكون في هذا الوضع، لن يذهب بعيدا لا في أحلامه ولا في اوهامه. يستطيع تحقيق نجاحات، من وجهة نظره في تركيا، لكن الذهاب الى ليبيا ولعب دور اقليمي اكبر بكثير مما تستطيع تركيا لعبه هو سقوط في ما سقطت فيه ايران التي لم تعد تعرف ان ثمّة حدودا ليس مسموحا لها بتجاوزها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اردوغان أحلام واوهام وهوس ايراني اردوغان أحلام واوهام وهوس ايراني



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates