تغيير صغير لكنه عميق في عُمان

تغيير صغير لكنه عميق... في عُمان

تغيير صغير لكنه عميق... في عُمان

 صوت الإمارات -

تغيير صغير لكنه عميق في عُمان

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

ليس بسيطا التغيير الأخير الذي حصل في سلطنة عُمان، وهو تغيير شمل بين ما شمله، تولي بدر البوسعيدي وزارة الخارجية مكان يوسف بن علوي بن عبدالله الذي اخترق الدائرة الضيقة للسلطة... عبر بوابة ظفار. التغيير صغير ظاهرا، نظرا الى انّه تغيير للوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية. جاء التغيير في ظلّ إعادة تشكيل مجلس الوزراء وتعيين وزير جديد للمال (سلطان الحبسي) وحاكم جديد للمصرف المركزي أيضا، هو تيمور بن اسعد بن طارق البوسعيد. لكنّه تغيير في العمق نظرا الى انّه يتناول الرمز المعبّر للسياسة الخارجية لسلطنة عُمان، خصوصا في السنوات العشرين الأخيرة.

يمكن الحديث عن تغيير في العمق في ضوء ارتباط السياسة الخارجية لسلطنة عُمان في السنوات الأخيرة بيوسف بن علوي الذي اخذ السلطنة الى حيث يريد بما يناسب تطلعاته ومصالحه بعدما حظي بثقة السلطان قابوس.

اسّس السلطان قابوس دولة حديثة بعد توليه السلطة في العام 1970. نقل السلطنة الى مكان آخر. بنى عمليا دولة حديثة بعد نجاحه في اجراء مصالحة وطنية مستعينا بمتمردين عليه في إقليم ظفار. كان يوسف بن علوي بن عبدالله بين هؤلاء المتمردين الذين ادركوا باكرا ان لا افق للتمرّد على الدولة المركزية، خصوصا بعد خلافة قابوس لوالده السلطان سعيد بن تيمور الذي كان حاكما متخلّفا لا علاقة له بالتغييرات التي يشهدها العصر، فضلا عن غياب الادراك للأهمية الاستراتيجية لسلطنة عُمان.

استطاع يوسف بن علوي بعد توليه موقع الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، باعتبار ان السلطان قابوس نفسه كان وزير الخارجية كما كان وزير الدفاع، ان يصبح ما يمكن تسميته بـ"سوبر وزير". استفاد الى ابعد حدود من انكفاء السلطان قابوس في السنوات الأخيرة من عهده، الذي استمر خمسين عاما، ورسم خطّا خاصا بعُمان في مجال السياسة الخارجية. لعب كلّ الأوراق التي يمكن لعبها من اجل تأكيد ان سلطنة عُمان حالة مختلفة في منطقة الخليج. اعتمد على ثوابت كانت لدى السلطان قابوس وعرف كيف الذهاب بعيدا، بما يرضي طموحاته وتوجهاته الشخصية، خصوصا تجاه المملكة العربية السعودية التي رفضت استقباله في نيسان – ابريل الماضي عندما طلب موعدا لزيارة الرياض. ليس مستغربا ان يكون هناك اتصال الملك سلمان بن عبدالعزيز والسلطان هيثم بن طارق، بعيد خروج يوسف بن علوي من الحكومة، في إشارة سعودية الى الترحيب بهذه الخطوة.

من بين الثوابت التي كان السلطان قابوس يتمسّك بها العلاقة المتميّزة مع الجار الايراني وذلك بغض النظر عن النظام في طهران. في ايّام الشاه، لعبت ايران دورا عسكريا في مجال المساعدة في انهاء التمرّد في ظفار. كان هناك خبراء عسكريون بريطانيون دعموا القوّات العُمانية، لكن الإيرانيين تدخلوا مباشرة على الأرض. كذلك فعل الأردنيون.

استمرت العلاقة التي كانت قائمة بين قابوس وايران في عهد "الجمهورية الإسلامية". لم تجد إدارة باراك اوباما مكانا تجري فيه مفاوضات سرّية مع ايران في شأن ملفّها النووي غير سلطنة عُمان. اسفرت تلك المفاوضات السرّية عن الاتفاق الذي تمّ التوصّل اليه صيف العام 2015 والذي وقعته ايران مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا (البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن والمانيا). ما لبث الرئيس دونالد ترامب الذي يعرف رجال ادارته ما هي ايران جيّدا ان مزّق هذا الاتفاق الذي عاد بكلّ الفوائد على ايران ومشروعها التوسّعي في المنطقة.

بدا واضحا في السنوات الأخيرة ان نفوذ يوسف بن علوي، في مجال رسم السياسة الخارجية زاد، خصوصا بعد مرض السلطان قابوس ونقله الى المانيا في العام 2014 ليعالج من سرطان البنكرياس. امضى السلطان ثمانية اشهر في المانيا وعاد منها الى عُمان في آذار – مارس 2015.

من اجل المحافظة على العلاقة الجيّدة مع واشنطن في عهد دونالد ترامب، تقرّبت سلطنة عمان من إسرائيل. لعب يوسف بن علوي دورا في اتباع هذا التوجه الذي ليس غريبا عن الخطوط العريضة لتفكير السلطان قابوس الذي استقبل بنيامين نتانياهو في مسقط في تشرين الاوّل – أكتوبر 2018. كانت تلك المرّة الأولى التي يزور فيها رئيس للوزراء في إسرائيل احدى دول الخليج العربي. لم تنبس ايران ببنت شفة، علما ان المسؤولين فيها لا يدعون أسبوعا يمرّ من دون التذكير بضرورة تحرير فلسطين. كان لافتا الاتصال الذي اجراه يوسف بن علوي عشية خسارته موقعه الوزاري بوزير الخارجية الإسرائيلي غابي اشكينازي!

ذهب يوسف بن علوي بعيدا في الكلام عن إسرائيل من اجل الاستفادة من نفوذها في واشنطن. ففي "المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط وشمال افريقيا"، الذي استضافته منطقة البحر الميّت في الأردن، صدر عن الوزير العماني في السادس من نيسان – ابريل 2019 كلام لم يقله يوما أي مسؤول عربي. قال بالحرف الواحد أنّه "يجب على الدول العربية العمل على تبديد مخاوف إسرائيل بشأن وجودها"، مضيفا إن "الغرب قدم لإسرائيل الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري وأصبحت بيدها كل وسائل القوة (...) ان إسرائيل ورغم ما قلناه عن قوة تمتلكها، ليست مطمئنة إلى مستقبلها كدولة غير عربية في محيط عربي من 400 مليون إنسان. إنّها غير مطمئنة إلى استمرار وجودها في هذه المنطقة. أعتقد أن علينا نحن كعرب أن نكون قادرين على البحث في هذه المسألة، وأن نسعى إلى تبديد هذه المخاوف لدى إسرائيل بإجراءات واتفاقات حقيقية بيننا نحن الأمة العربية وبين إسرائيل وبين من يدعمون إسرائيل".

مع غياب يوسف بن علوي عن السياسة الخارجية العُمانية تنتهي مرحلة كانت فيها السلطنة الطائر الذي يغرّد خارج السرب الخليجي. حيثما استطاعت، ميّزت سلطنة عُمان نفسها، خصوصا في اليمن حيث اقامت علاقة خاصة بالحوثيين (انصار الله). كان لديها نفوذ كبير لديهم. كانت بوابتهم الى العالم. في مقابل انفتاحها على الحوثيين، الذي ليسوا في نهاية المطاف سوى أداة إيرانية، كانت عُمان تستطيع ان تطلب منهم ما لا يستطيع ان يطلبه غيرها. الدليل انّها نجحت في جعلهم يفرجون عن اثنين من أبناء الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، هما مدين وصلاح، كانا محتجزين لديهم منذ اغتيال والدهما في العام 2017.

الى أي حد ستكون هناك سياسة خارجية عُمانية مختلفة؟ الجواب بكلّ بساطة أنّ هناك تموضعا جديدا للسلطنة في المنطقة. لا يعني هذا التموضع ابتعادا كبيرا عن ايران التي تبقى جارا لا مفرّ من التعامل معه. لكنّ الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها عُمان في عهد هيثم بن طارق تفرض مزيدا من الواقعية، بما في ذلك التعاطي بطريقة صحّية مع السعودية ودولة الامارات بعيدا عن عقد يوسف بن علوي وحساباته الخاصة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تغيير صغير لكنه عميق في عُمان تغيير صغير لكنه عميق في عُمان



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 06:17 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

افتتاح معرض رأس الخيمة للكتاب بمشاركة 76 دار نشر

GMT 02:43 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العالم

GMT 08:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تخريج الدفعة الأولى من برنامج قيادة الأعمال الإنسانية

GMT 18:45 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

معرض دبي العالمي للقوارب يعزز مكانته العالمية في 2015

GMT 21:44 2014 الأربعاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية تشارك في معرض برشلونة للكتاب في دورته الـ32

GMT 01:38 2014 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

جامعة كينياتا تمنح سيدة كينيا الأولى الدكتوراه الفخرية

GMT 07:50 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

14 منطقة حول العالم تشبه مدينة "البندقية" الإيطالية

GMT 11:42 2020 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مواطن إماراتي ينجح في اصطياد 3 أسماك ضخمة أحدها طولة 3 أمتار

GMT 23:51 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

فوائد تناول الزعفران يوميًا يعالج امراض القلب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates