بداية حرب في المنطقة

بداية حرب في المنطقة...

بداية حرب في المنطقة...

 صوت الإمارات -

بداية حرب في المنطقة

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

ثمّة امر لا يزال يحتاج الى توضيح. ما الذي جعل حكومة بنيامين نتانياهو تتأخّر في ضمّ جزء من الضفّة الغربية مطلع الشهر الجاري؟ الأكيد ان الضمّ بحد ذاته عمل عدائي وممارسة لارهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل في حق الفلسطينيين مستفيدة من حليف طبيعي لها هو حركة "حماس". يتبيّن كلّ يوم، خصوصا بعد اكتشاف عملاء لاسرائيل في صفوف "حماس" في قطاع غزّة كم الحركة مخترقة وكم جماعة الاخوان المسلمين لا يؤدون سوى الدور المطلوب منهم والمتمثلّ في ضرب المشروع الوطني الفلسطيني من داخل.

لنضع الشبكة الإسرائيلية داخل "حماس" جانبا، بما في ذلك فرار القائد الميداني الحمساوي الى إسرائيل من غزّة. يظلّ السؤال الذي يطرح نفسه مرتبطا بالتردّد الإسرائيلي في مرحلة تعتبر فيها حكومة بنيامين نتانياهو ان الفرصة التي توفرها إدارة دونالد ترامب، فضلا بالطبع عن الظروف التي تمرّ فيها المنطقة، من النوع الذي لا يعوّض.

تأجّل اعلان الضمّ، الذي كان سيشكل منعطفا نحو تكريس الاحتلال لمعظم الضفّة الغربية وقطع الطريق على خيار الدولتين نهائيا. تأجّل الضمّ على الرغم من ان الحزبين الأساسيين اللذين تتشكّل منهما الحكومة الحالية خاضا الانتخابات وتنافسا على أساس برنامج واحد. لم يكن الخلاف بين الحزبين على المبادئ، بمقدار ما انّه اتخذ طابعا شخصيا بين الجنرالات الاسرائيليين من جهة وبنيامين نتانياهو من جهة أخرى.

يدعو البرنامج الذي يجمع بين ليكود وحزب ازرق وابيض الى ضمّ البقع الاستيطانية الكبيرة والاغوار، بما يسيء مباشرة الى الأردن، صاحب المصلحة في خيار الدولتين وعدم وقوع الاغوار تحت السيادة الإسرائيلية لأسباب تتعلّق بامنه الوطني. الأكيد ان الهدف الاوّل هو الانتهاء من خيار الدولتين، الذي يعني بين ما يعنيه الاعتراف بوجود شعب فلسطيني يستحق ان تكون له دولة خاصة به، دولة "قابلة للحياة"...

هناك رأيان في شأن التأجيل الذي حصل. يقول الرأي الاوّل انّ عوامل عدّة تجمعت وفرضت على "بيبي" التريّث. بين هذه العوامل الموقف الأميركي غير المتحمّس للفكرة. وقد عبّر عن هذا الموقف وزير الخارجية مايك بومبيو الذي زار إسرائيل مع تشكيل الحكومة الجديدة تحت مسمّى "حكومة طوارئ". التقى بومبيو في اثناء الزيارة، التي شكّلت اول خروج له من الولايات المتحدة في اثناء موجة كورونا، رئيس الحكومة الاسرائيلية ووزير الدفاع الجنرال بني غانتس ووزير الخارجية الجنرال غابي اشكنازي. بدا بعد الزيارة انّ الموقف الأميركي يدعو الى مزيد من اخذ الوقت بدل وضع العالم امام امر واقع يتمثّل في فرض الاحتلال على جزء آخر من الضفّة الغربية.

لا شكّ انّ عوامل أخرى لعبت دورا في فرض التريّث على اسرائيل. من بين هذه العوامل الموقف الاوروبي وعدم وجود تفاهم واضح، بين "بيبي" من جهة وكلّ من الجنرالين غانتس واشكنازي من جهة أخرى، في ما يتعلّق بحدود الأراضي الواجب وضعها تحت السيادة الإسرائيلية. الى ذلك، لا يمكن الاستخفاف بالدور الأردني والجهود التي بذلها الملك عبدالله الثاني من اجل اقناع شخصيات ذات نفوذ في الإدارة والكونغرس بانّ الخطوة الإسرائيلية المتوقّعة لا تخدم الاستقرار في المنطقة في ظلّ مرحلة المخاض التي تمرّ فيها. هناك أيضا عامل لم تكن إسرائيل قادرة على تجاهله. يختزل هذا العامل الانفراج العام على صعيد العلاقات العربية – الإسرائيلية في ضوء الاخطار التي باتت تشكلّها ايران على كلّ دولة عربية في المنطقة.

في النهاية، كانت كلّ دولة عربية، بما في ذلك سلطنة عُمان التي استقبلت "بيبي" رسميا قبل وفاة السلطان قابوس، ستجد نفسها في موقف محرج. لا تستطيع ايّ دولة عربية تجاهل الحقوق الفلسطينية، بغض النظر عن التراجع الذي تعاني منه القضيّة الفلسطينية التي لم تعد قضية العرب الأولى... الّا بالنسبة الى المتاجرين بها. جاء الاحتلال الأميركي للعراق في 2003 ثم تسليمه على صحن من فضّة الى ايران ليقلب كلّ الموازين والمفاهيم في المنطقة. حصل ذلك خصوصا بعدما سعت ايران الى الانطلاق مجدّدا في مشروعها التوسّعي واعتبرت العراق جزءا من امبراطوريتها... قبل ان يعود العراقيون الى الانتفاض وإظهار رفضهم للوصاية الجديدة المفروضة عليهم وعلى بلدهم عن طريق اثارة الغرائز المذهبية والميليشيات التابعة لطهران ولا شيء آخر غير ذلك.

امّا الرأي الثاني الذي يمكن ان يساعد في تفسير التريّث الإسرائيلي، فانّه يقول ان الأولويات تغيّرت بالنسبة الى إسرائيل، حتّى قبل تشكيل الحكومة الحالية. هناك اولويّة واحدة فرضت تناسي الملفّ القضائي لـ"بيبي" وتجاوز الخلافات ذات الطابع الشخصي بينه وبين جنرالات ازرق وابيض، أي بني غانتس وغابي اشكنازي وموشي يعلون. هذه الاولويّة هي البرنامج النووي الإيراني. عادت ايران الى احياء هذا البرنامج معتمدة ما يمكن تسميتّه بـ"الخطة ب"، أي خطة الاحتماء بالقنبلة النووية وبالصين في الوقت ذاته على طريقة كوريا الشمالية. هل بدأت إسرائيل الردّ على مباشرة ايران في تنفيذ "الخطة ب"؟ من المبرّر طرح مثل هذا التساؤل في ضوء الانفجارات التي تتعرّض لها مواقع إيرانية منذ ايّام عدة.

ليس سرّا ان مواقع إيرانية، من بينها موقع نطانز المرتبط بالبرامج النووي الإيراني تعرّضت لاضرار جسيمة. هذا على الاقلّ ما تكشفه صور التقطتها أقمار اصطناعية بعد الانفجار الذي وقع في منشآت الموقع.

وحدها الايّام ستكشف ما اذا كانت إسرائيل، بالتفاهم مع اميركا طبعا، تشنّ حاليا هجمات على مواقع ومنشآت إيرانية محددة في ما يمكن وصفه ببداية حرب من نوع آخر لا تتجرّأ "الجمهورية الإسلامية" على الاعتراف بانّها حرب قائمة. كلّ ما يحدث في المنطقة حاليا غريب جديدا، بما في ذلك الضياع الذي وجدت ايران نفسها فيه منذ اغتيال قاسم سليماني قائد "لواء القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني في كانون الثاني – يناير الماضي.

يصعب تحديد طبيعة الحرب التي تشهدها المنطقة حاليا، هل هي حرب "سيبيرية"، أي ما يشبه الحرب الالكترونية بمفهومها الحديث، ام هناك ما هو اكثر من ذلك؟

الثابت انّ هناك جديدا في الشرق الأوسط اختلطت فيه الأوراق الى حدّ لم يعد معروفا فيه ما الذي يحدث فعلا في ايران وما الذي جعل إسرائيل تتريّث في ضمّ جزء من الضفّة الغربية وقبل ذلك ما الذي جمع فجأة بين "بيبي" ورؤساء الأركان السابقين الذين شكلوا حزبا لم يكن من هدف اصلا له سوى التخلّص منه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بداية حرب في المنطقة بداية حرب في المنطقة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates