معضلة «النهضة» والآمال المحبطة

معضلة «النهضة».. والآمال المحبطة

معضلة «النهضة».. والآمال المحبطة

 صوت الإمارات -

معضلة «النهضة» والآمال المحبطة

د. وحيد عبدالمجيد
بقلم : د. وحيد عبدالمجيد

مضى الأحد الماضي الشهر الأول من الفترة المحددة دستورياً لتشكيل حكومة جديدة في تونس، بعد الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في 6 أكتوبر، دون أن يتمكن مرشح «حزب حركة النهضة» الحبيب الجملي من إحراز تقدم في الاتجاه الذي تحرك فيه، وهو بناء ائتلاف مع القوى التي يعدها هذا الحزب «ثورية»، وفي مقدمتها «حزب التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب». وأصبح الأمر أكثر صعوبة في الشهر الثاني الباقي لدى حزب «النهضة»، الذي كُلف بتشكيل الحكومة لنيله أكبر عدد من المقاعد. لكن هذا العدد، الذي لا يتجاوز رُبع إجمالي المقاعد، يفرض عليه التحالف مع أحزاب أخرى ومستقلين لتشكيل ائتلاف يحظى بأغلبية مطلقة في البرلمان، أي 109 مقاعد على الأقل. فقد تراجع حزب النهضة بشكل مطرد منذ 2011 حين نال 89 مقعداً، وخسر أكثر من 40% من تمثيله البرلماني في ثمانية أعوام فقط.
وهكذا، انفضت الأفراح التي أقامها المتفائلون بانتخاب قيس سعيد رئيساً لتونس، وأخذوا بالنزول إلى الواقع حيث يتعين عليهم دفع ثمن إصرار «النهضة» على تجاهل رفض معظم الأحزاب هيمنته على الحكومة التي ينتظرونها أملاً في حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة.
يواجه التونسيون الآن المعضلة الناتجة عن اصطدام الآمال المعلقة على انتخاب سعيد، بالصعوبات التي تواجه تشكيل حكومة قادرة على معالجة هذه الأزمات في ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية التي أنتجت مجلساً مفتتاً. لكن الأسوأ من هذا التفتت حصول «النهضة» على مقاعد أكثر من غيره، وهو الذي لا يحظى بقبول معظم الأحزاب والحركات السياسية التي حلت في المراكز التالية، سواء التي سعى للتحالف معها، وهي «التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب»، ثم «حركة تحيا تونس»، أو التي استبعدها بدعوى أنها تقف في «الصف المناهض للثورة»، وفي مقدمتها «حزب قلب تونس» و«الحزب الدستوري». 
ومن بين الأحزاب التي جاءت في المراكز الخمسة التالية له في الترتيب، لا يتحمس للتحالف معه، سوى «حزب ائتلاف الكرامة» الذي حل رابعاً وحصل على 21 مقعداً. فالاتجاه الأصولي التقليدي هو الغالب في هذا الحزب الذي لا تخلو مواقف بعض قادته من تطرف، وقد يُزيد التحالف معه الشكوك في حقيقة التزام حزب «النهضة» بما أعلنه في مؤتمره العام العاشر (2016)، من أنه صار حزباً مدنياً بعيداً عن تيار الإسلام السياسي. غير أنه إذا فشل حزب «النهضة» في إقناع «حزب التيار الديمقراطي» (22 مقعداً)، و«حركة الشعب» (16 مقعداً) بمراجعة رفضهما التحالف معه، فقد لا يكون أمامه إلا إسقاط التعهد الذي التزم به، وهو عدم التحالف مع «حزب قلب تونس» الذي حل في المرتبة الثانية وحصل على 38 مقعداً، ومعه حزب «ائتلاف الكرامة». ويمكن في هذه الحالة تشكيل حكومة تنال ثقة البرلمان.
لكن ثمن هذا التحالف سيكون باهظاً بالنسبة لحزب النهضة، لأنه يُقوِّض ما بقى من صورة «حزب المبادئ» التي سعى لترويجها، ويدعم الاعتقاد بأنه لا يهدف إلا لامتلاك السلطة بأية طريقة، مثله في ذلك مثل الأحزاب المرتبطة بجماعة «الإخوان» رغم إعلانه فك الارتباط معها. وربما يلجأ إلى مناورة، قد يعتقد قادته أنها تُقلل خسارته، عبر تحالف غير مُعلن رسمياً مع «حزب قلب تونس» وتوزير شخصيات قريبة منه، مقابل الاقتراع لمصلحة الحكومة الجديدة لإكمال الأغلبية اللازمة لمنحها الثقة. لكن حتى في هذه الحالة، ستكون حكومة «النهضة» ضعيفة أمام المعارضة التي ستواجهها في البرلمان وخارجه. وحكومة هذا شأنها لن تستطيع الوفاء بالحد الأدنى من آمال التونسيين الذين ينتظرون عملاً سريعاً ومنتجاً لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وإزاء هذا الوضع المُعقد، قد يكون من الصعب أيضاً أن يراهن حزب حركة النهضة على قيام الرئيس الجديد بدور في السعي لتيسير تشكيل الحكومة، عبر استخدام نفوذه المعنوي لإقناع بعض الأحزاب التي أيدته بالانضمام إليها.
وهكذا، يواجه حزب حركة النهضة اختباراً يبدو الأصعب، واختياراً ربما يكون الأكثر تأثيراً على مستقبله بين المغامرة بتحالف غير مُعلن مع حزب قلب تونس، والإقرار بالفشل في تشكيل الحكومة في نهاية الفترة الدستورية المحددة لها في 14 يناير المقبل، وبالتالي حل البرلمان المُنتخب، والذهاب إلى انتخابات جديدة. وفي الحالتين، يتسبب حزب النهضة في إحباط آمال التونسيين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معضلة «النهضة» والآمال المحبطة معضلة «النهضة» والآمال المحبطة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates