حدود الصراع التجاري

حدود الصراع التجاري

حدود الصراع التجاري

 صوت الإمارات -

حدود الصراع التجاري

د. وحيد عبدالمجيد
بقلم : د. وحيد عبدالمجيد

هل أصبحت الولايات المتحدة والصين على أعتاب حرب باردة جديدة، وفق ما حذّر منه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في كلمته أمام «منتدى الاقتصاد الجديد» قبل أيام؟ يبدو صعباً اليوم الجزم بالمدى الذي يمكن أن يبلغه الصراع الأميركي الصيني، الذي تصاعد خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، على نحو يُربك التفاعلات الدولية، وربما الإقليمية أيضاً في بعض المناطق. لكن المستوى الذي وصل إليه حتى الآن لا يقود بالضرورة إلى حرب باردة. وربما كان كيسنجر متأثراً، لحظة حديثه عن احتمال هذه الحرب، بالتوتر الذي أثاره إقرار الكونجرس قانوناً يخص الصين، واللهجة التي استخدمتها بكين ضده وتهديدها باتخاذ تدابير حازمة إذا لم يعترض الرئيس ترامب عليه. 

ورغم أن دخول واشنطن على خط بعض الملفات الداخلية الصينية يفتح جبهة جديدة في الصراع بين الدولتين، تظل المصالح بينهما أكثر مما تجمع أياً منهما ودولة أخرى. وتمثل هذه المصالح كابحاً يمكن أن يضع سقفاً لتصاعد الخلاف الذي يبقى حتى الآن بعيداً عن التحول إلى مباراة صفرية يسعى كل طرف فيها لتحقيق نصر كامل، وإلحاق هزيمة نهائية بالطرف الآخر، مثلما حدث بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق في مرحلة الحرب الباردة.
وفي هذا النوع من الصراعات غير الصفرية، يسعى كل طرف إلى دعم مصالحه وتعزيز نفوذه، لكنه يدرك في ذات الوقت أنه لا يستطيع أن يربح كل شيء. وعلى سبيل المثال تعرف واشنطن أنها لن تتمكن من تقليص النفوذ الإقليمي الذي حصلت عليه بكين منذ أن بدأت تزيد نشاطها في منطقة بحر الصين، وشرق آسيا عموماً. لذلك فهي تسعى إلى الحد من هذا النفوذ الصيني، لحماية مصالح حلفائها وأصدقائها مثل اليابان وتايوان وفيتنام وغيرها. وتدرك الصين، بدورها، أن تعزيز المكاسب الإقليمية التي حققتها في السنوات الأخيرة مرهون بعدم تعريض المصالح الحيوية الأميركية للخطر.
ورغم أن قلق واشنطن يزداد بعد توسع النفوذ الصيني الدولي نتيجة التقدم في إنجاز مشروع «الحزام والطريق»، المعروف إعلامياً باسم طريق الحرير الجديد، فليس متصوراً أن تُقدم على عمل لإعاقة هذا المشروع الذي ترى دول عدة أنه يُحقق منافع لها. ويمكن أن يركز التحرك الأميركي في محاولة إقناع بعض الدول بعواقب الأعباء المالية التي تترتب على مشاركتها فيه، أو بتداعيات تنتج عنه وقد تؤثر في سيادتها على مساحة من أرضها. وربما تخطط الولايات المتحدة لإقامة مشروع منافس بالتعاون مع دول غير معنية بالمشروع الصيني. وقد طرح خبراء أميركيون أفكاراً بشأن التعاون مع دول مثل اليابان وأستراليا والهند في هذا المجال. 
ومن الطبيعي، في غضون ذلك، أن تراقب واشنطن بدقة اتجاهات تقدم الصين في مجال التكنولوجيا الجديدة التي تسهم في دعم القوة الشاملة للدولة، وأن تسعى إلى عرقلتها كما حدث عندما فرضت قيوداً على تعامل الشركات الأميركية مع شركة هواوي الصينية حين حققت تقدماً كبيراً باتجاه امتلاك تكنولوجيا «الجيل الخامس»?. 
أما بالنسبة للصراع التجاري، فربما لا يطول أمده كثيراً لأنه يتعارض مع طبائع العصر الراهن، الذي يقوم على ازدياد في معدلات التعاون والاعتماد المتبادل بين الدول. ورغم تنامي نزعات شعبوية تنهل من سخط بعض الناخبين بسبب الجمود السياسي والتفاوت الاجتماعي، فالأرجح أنها لن تصمد لأن أضرار سياسات الانغلاق والحماية ستظهر تباعاً في صورة تباطؤ اقتصادي، وتراجع في معدلات النمو والاستثمارات. 
ومن أهم العوامل التي ستؤثر في مسار الصراع التجاري نتيجة انتخابات 2020 الرئاسية في الولايات المتحدة. فقد ارتبط تصاعد هذا الصراع برؤية الرئيس ترامب شخصياً، وبعض أركان إدارته، لاعتقاده أن الصين هي المصدر الأول لتهديد المصالح الأميركية.
ولا يعني هذا أن حل الصراع التجاري بعيد المنال في ظل إدارة ترامب، لأن المفاوضات التي تهدف إلى اتفاق لم تتوقف، وربما يصل الطرفان إلى هذا الاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في فاتح نوفمبر المقبل. وإذا أمكن هذا، فالأرجح أنه سيغير الأجواء بين الدولتين، ويحد من تصاعد الصراعات السياسية الاستراتيجية. أما إذا لم يتيسر، فربما يؤدي خطاب ترامب الانتخابي عن الصين إلى تصاعد التوتر اللفظي بين الدولتين لبعض الوقت، فيما يبقى الصراع في شقيه التجاري والسياسي الاستراتيجي، بانتظار نتيجة الانتخابات، واتجاهات السياسة الأميركية بعدها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حدود الصراع التجاري حدود الصراع التجاري



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates