بقلم - صلاح منتصر
لم أعرف فى طفولتى طبيب الأطفال , فلم يظهر هذا التخصص فى مصر إلا فى الأربعينيات. وفى دمياط التى قضيت فيها سنواتى الأولى حتى الرابعة عشرة كان حلاق الصحة هو الشخصية التى تقوم بعمليات الطهور وبعض العلاجات البسيطة. وعندما شكوت من الرمد وكان مرضا شائعا فى جيلى, ذهبت إلى مايسمى السبع بنات وهن سبع راهبات وهبن أنفسهن لعلاج عيون الأطفال دون تمييز بين ديانتهم. أما اليوم فهناك أكثر من طبيب أطفال وطبيب عيون فى أى قرية.
وطوال طفولتى لم أمسك عروسة أو أى لعبة مثل المكدسة بها اليوم محال اللعب أومثل التى فى يد أو بجانب سرير أى طفل. كانت فرحتنا فى اللعب عندما نعثر على علبة ورنيش فارغة أو زجاجة صغيرة أو كرة كاوتش, إلى جانب نوى المشمش فى موسمه ولعبة اسمها النحلة, وهى مخروط خشبى تحتاج إلى مهارة فى لفها بدوبارة وإلقائها إلى الأرض فتأخذ فى الدوران بسرعة حسب قوة الرمية!
ولم أعرف فى طفولتى من وسائل الترفيه سوى الراديو وكان عبارة عن صندوق خشبى على شكل وجه, وعلى أساس أن الراديو إنسان متكلم من الخشب. وكانت ربة البيت تصنع لهذا الراديو غطاء من القماش الأبيض لتحميه من الأتربة، فى الوقت الذى لم يكن يتم تشغيله إلا فى ساعات الصباح الأولى مدة ساعة على الأكثر وفى الثامنة مساء مع القرآن ثم نشرة الأخبار ثم كل إلى فراشه للنوم.
ومن «القلة» إلى الثلاجة إلى التليفزيون إلى السخان والبوتاجاز والتكييف وعشرات الأدوات والأجهزة التى شاهدنا بدايتها، وفى كل مرة يظهر فيها جهاز كنا نستمتع بشعور جميل اسمه الانبهار وهى متعة لا أظن أن الأجيال الحديثة عرفتها. فالطفل يبدأ حياته مع المحمول وأحدث المخترعات التى يراها عادية ولم يعد يحس معها بغرابة. أفتقد كثيرا شعور الانبهار الذى كان يظل معى فترة طويلة وأظل أحلم معه لحين ظهور اختراع جديد!