بقلم : محمد مطاوع
أن تطرق أبواب قلعة كتالونيا، وتدخل لقيادة عملاقها، فإنت إما قوي بالدرجة التي يأملها عشاق البارسا في العالم أجمع، أو عبقري، ليتم اختيارك لهذا الموقع الذي يتمناه الكثير من أساطير التدريب الكروي، أو مثابر تستحق أن تحصل على مكافأة ما حصدته سابقا.
اختيار إرنستو فالفيردي من أجل هذا المنصب، لم يكن سهلا لخلافة لويس انريكي، الذي حقق كل شيء مع الفريق الكتالوني، كما سبق وقام به جوارديولا، والقناعة به جاءت بقدرته على صناعة شيء من لاشيء، مع الفرق التي سبق ودربها وقادها لإنجازات تتجاوز الإمكانيات.
الشكل الهادئ لفالفيردي، لم يعكس النار المتقدة في داخله، والرغبة الكبيرة في تحقيق أهدافه..دماثته في التعامل مع لاعبيه، لا تعني تركه للحبل بأيدي أصحاب النفوذ في الفريق، فيوما بعد يوم، أثبت أن جميع خيوط اللعبة في يده، ويستطيع التحكم بها بالطريقة التي يرى أنها الأنجع مع عملاق كبير بحجم برشلونة.
فالفيردي تلقى صدمة رحيل نيمار بصدره، وتحمل مسؤولية الخسارة المذلة في بداية مشواره بكلاسيكو السوبر، ودافع كثير عن قناعاته وضرورة أخذ الامور بروية وهدوء في كل مشكلة كانت تواجهه.
لم يشأ إقحام ديمبلي مبكرا في معركة إثبات الذات للرد على رحيل نيمار، كونه يعرف تماما أنه ما زال شابا غضّا، وإصابة ديمبلي فيما بعد أثبتت صحة قراراته، ثم أعاد الثقة لقائد الفريق انييستا، ومنحه الفرصة الكاملة بعد أن تحول في آخر أيام إنريكي إلى لاعب بديل يجلس كثيرا على مقاعد الاحتياطيين، كما أعاد اكتشاف جوردي ألبا ليصبح الظهير العصري الذي يمتلك قدرة الإسناد الدفاعي وصناعة الأهداف، إضافة إلى رؤيته بالتعاقد مع باولينو، الذي تندر عليه الخصوم والأصدقاء، قبل ان يثبت صحة نظرية المدرب واسع الأفق.
تعامل فالفيردي بهدوء مع زوبعة التعاقد مع كوتينيو، وصبر حتى النهاية أمام عاصفة كادت أن تأتي على إدارة النادي وتأخذه معه، لكنه صبر كثيرا، ونال أخيرا توقيع النجم البرازيلي، الذي مارس معه نفس الطريقة بهدوء إقحامه في المواجهات، والتدرج في الدفع به به لأتون مواجهات برشلونة الملتهبة.
بالأمس، كان فالفيردي يخط اسمه ضمن قائمة كبار المدربين أصحاب الفكر المتقد، فجرأته على تغيير إرث الأسطورة الراحل كرويف، والخروج من سجن طريقة 4-3-3 القوية هجوميا..والضعيفة دفاعيا، حوّلت برشلونة إلى فريق يصعب الولوج إلى منقطته، التي كانت مستباحة من قبل، بسبب الاندفاع الهجومي الهادر، وضعف التغطية الدفاعية من قبل لاعبي الوسط، فتحول الأداء إلى 4-4-2، واقتنع النجوم بأهمية أدوارهم في الإسناد الدفاعي، الذي كان كلمة السر في صدارة الليجا، والوصول إلى نهائي الكأس، وأخيرا وليس آخرا..التأهل إلى ربع نهائي دوري الأبطال.
فالفيردي قاد ثورة حقيقية، وبدأ بقطف ثمارها من خلال الأرقام التي بدأ بتحطيمها، وكل ما ينتظره حاليا، حصاد الألقاب، التي يأمل في أن يكلل بها مسيرة موسم، غيّر فيه الجلد الكتالوني، الذي أصبح أكثر صلابة وتحملا..وقسوة على الخصوم