بيروت ـ مصر اليوم
هي اللبنانية إلهام سليم، صيادة السمك الوحيدة في جنوب لبنان، احترفت مهنة الصيد على امتداد أكثر من 35 عاما، شغفها بالبحر كان الدافع الأساسي وراء ممارستها مهنة تكاد تكون مقتصرة على الرجال. يصفها ابنها بـ«المحظوظة» في الصيد، وذلك نتيجة غلتها التي تفوق في أحيان كثيرة غلة الصيادين الآخرين.أصبح عالم الأسماك الأقرب إليها بعدما تعلمت مواجهة المياه الخطرة لتحصل على ما تنتظره من صيد بشكل
شبه يومي، وبعد حرصها على تأمين كافة متطلبات الصيد قبل انطلاقها من شاطئ محلة الأوزاعي (في الجهة الجنوبية الغربية لمدينة بيروت).
على الرغم من تجاوزها سن الخمسين، لا تزال الحاجة سليم ترفض التخلي عن البحر، وتقول من على ضفاف شاطئ الأوزاعي على متن قارب الصيد الذي تملكه، مطلقة عليه اسم «جاد»: «قصتي مع البحر طويلة. امتهنت صيد السمك وأنا في العاشرة من عمري، لكنه اليوم تحول إلى هواية أمارسها مرة أو مرتين في الأسبوع. في كل يوم أترك فيه البحر أشعر بضياع، هو مكان رزقي واستقرار عائلتي». وهذا ما يؤكده ابنها محمد قائلا: «تجد راحتها النفسية على الشاطئ إذ أصبح بمثابة الأوكسجين الذي تستنشقه»، ولا ينفي محمد علامات الاستغراب التي تبدو على ملامح رواد الشاطئ الغرباء عند رؤيتهم والدته وهي تصطاد لأن هذه الفكرة مألوفة في لبنان.
وعن سر مهنتها تقول سليم: «اعتدت على السهر وسط البحر حتى طلوع الفجر، وهي الفترة التي أتمكن خلالها من اصطياد أكبر كمية من سمك التريخون الذي يأتي بحثا عن الطعام».
هذا السر تشهد عليه شباك سليم المليئة بالأسماك على اختلاف أنواعه، وكإثبات منها على كلامها، تقوم مع ابنها محمد الذي يرافقها أحيانا في رحلتها، بإنزال غلتها من الصيد، بعدما وضعتها في أوعية خاصة لبيعها في المزاد العلني الذي كان ولا يزال يقصده الزبائن من كل المناطق اللبنانية، من دون أن تتردد في المساومة على السعر في حال لم يعجبها.
ومن أنواع الأسماك التي علقت في صنارة سليم كلاب البحر، والـ«غزلان» و«بلاميدا» و«جراوي» و«البريق» و«الجريش»، و«الوطاويط» المعروف بأنه ثقيل الوزن، وكانت تلقى المساعدة ممن يرافقها من أفراد عائلتها أو أقاربها في سحبه إلى داخل القارب.
ومن المعروف عن سليم أنها لا تصطاد على الشاطئ بل على بعد يتراوح بين 6 و9 كيلومترات، وهي تحرص دائما على صيد سمك «التريخون» الثقيل الوزن المفضل لديها والأكثر طلبا في السوق، ويتراوح وزن السمكة منه بين 4 و7 كيلوغرامات، ويكثر وجوده على عمق لا يقل عن 45 مترا، فيما يحالفها الحظ أحيانا في اصطياد سمك «لقز» الذي يوجد على عمق 150 مترا.
المواجهة مع كلاب البحر (القرش) هي من أخطر الأحداث واللحظات التي عاشتها إلهام في عالم البحار، بحسب ما تقول لـ«الشرق الأوسط» وذلك، نظرا لبقائه حيا لدقائق معدودة وقيامه بحركات مؤذية للقريبين منه، فيما يصل وزنه إلى نحو 600 كيلوغرام وأكثر.
أما الشواطئ التي تنقلت بينها سليم أثناء ممارستها مهنتها فهي: «الأوزاعي وعدلون والزهراني وصيدا والصرفند في الجنوب»، من دون أن تنفي أن الصرفند هو المفضل لديها حتى الآن.
وفي بلدة الصرفند حيث مسقط رأسها، تعرف إلهام بـ«البحارة» و«المغامرة»، فهي التي تتولى مهمة الصيد من ألفها إلى بائها، بما فيها مد الشباك وتبديل المرساة، شغفها بالصيد دفعها إلى بذل جهود كبيرة، من أجل خرق قرار كان يقضي بمنع النسوة من الاصطياد في البحر في هذه المنطقة الجنوبية، وكان ذلك، خلال فترة الحرب الأهلية (1975 - 1990)، إلى أن نجحت محاولاتها في الاستحصال على «جواز مرور بحري» من رئيس ميناء صيدا آنذاك.
وعن بداياتها في رحلة الصيد الطويلة، تشير إلهام إلى أنه وحين كانت في عمر العشر سنوات، تعلمت صيد السمك على يد صهرها (زوج أختها) أحمد عثمان، في الصرفند، وهو الصياد الذي كان يصطحب معه جميع أفراد العائلة إلى البحر. وفي سن الـ16 عاما حملت صنارتها واتخذت قرار الانطلاق في الرحلة بمفردها نحو شاطئ «الصرفند»، أما رفاق اليوم فهم أما زوجها زين سليم أو أحد أبنائها وبناتها، أو أحد أولاد أختها.
في المقابل يؤكد زوجها زين سليم أنه لم يكن لديه مشكلة في الزواج من صيادة سمك: «أنا أيضا صياد، اصطحبتها معي إلى عرض البحر لسنوات كثيرة، وكنا نصطاد ما يقارب الـ50 كيلوغراما كل يوم خلال الموسم الذي يبدأ في شهر أغسطس (آب) وينتهي في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، ويمتد عمل اليوم الواحد إلى نحو 12 ساعة تقريبا».
وتوضح إلهام أن صيد السمك من أكثر الهوايات الإنسانية اتساما بالحكمة، ومتعة لمن يمارسها، ويشحن الجسم بطاقات حيوية جديدة، ويحقق الشعور بالسعادة والصبر.
وفي الختام لا تنفي إلهام أن صيد السمك عمل مرهق وأحيانا يكون خطرا. وكما كل صياد، في أحيان كثيرة، يأتي نهاية يوم الصيد الطويل، لتكتشف فيه أن ما جنته لا يكفي لأن يباع في السوق، فتقرر عندها أن يكون غداء للعائلة. وعند سؤالها عن عوامل نجاح الصيد، تؤكد سليم أن أهمها هو حسن اختيار أنواع أدوات الصيد وقوة الإرادة.
أرسل تعليقك