مع الأستاذ هيكل 2 3

مع الأستاذ هيكل (2 -3)

مع الأستاذ هيكل (2 -3)

 صوت الإمارات -

مع الأستاذ هيكل 2 3

بقلم - مصطفى الفقي

تحتفظ ذاكرتى بمعظم لقاءاتى ومحادثاتى التليفونية مع الأستاذ، حتى في أيام خدمتى بمؤسسة الرئاسة، حيث كان الرئيس مبارك يعطينى مساحة من الحركة لا تتعارض مع مهام عملى.. وأتذكر من نوادر أحاديث الأستاذ هيكل أنه حكى لى ذات مرة بعض ذكرياته الصحفية والطرائف التي مرت بحياته، منها أن بعض خصوم الكاتب الكبير أحمد الصاوى محمد كانوا يتطاولون عليه حتى قال عنه أحدهم إنه (إذا ألّف ترجم وإذا ترجم ألّف)، في محاولة لاستفزاز ذلك الكاتب الراحل الكبير الذي كان مقروءًا في عصره محبوبًا من قرائه.. وقد قال لى الأستاذ ذات مرة إنك إذا أردت أن تعبر عن سخطك على المستوى المتدنى في إحدى الرسائل الجامعية التي تناقشها، فإنك تقول (إن كل صحيح في هذه الرسالة ليس جديدًا.. وإن كل جديد فيها ليس صحيحًا). وقد كان الأستاذ يحفظ آلاف الأبيات من الشعر العربى، وتتناثر النوادر والطرائف من بين ثنايا الموضوعات الجادة التي يطرحها والأفكار التي ينشرها، وقد علق لى ذات مرة على مقولة العقاد الشهيرة عندما وقف أمام ضريح سعد باشا زغلول الذي توفى والعقاد محبوس في السجن، إذ قال العقاد يومها: الآن مضت الأربعون.. فكيف تمضى بنا السنون؟!، وكان الرد الذي قاله الكثيرون للعقاد: سوف تمضى السنون مثلما مضت الأربعون!.

أتذكر أيضًا عندما دق جرس تليفونى في السابعة صباحًا يوم 14 نوفمبر 2014 لأجد المتحدث هو الأستاذ هيكل بنفسه مهنئًا يومها بعيد ميلادى السبعين، وقد أردف قائلًا إن من يقرأ لك يظنك في التسعين، ومن يتابع نشاطك في الحياة العامة يحسبك في الخمسين، وكان الرجل مطلعًا اطلاعًا واسعًا على الثقافتين الأوروبية المسيحية والعربية الإسلامية، ويتندر على أقوال بعض المنحرفين من شعراء العربية الذين امتدحوا في مرحلة تاريخية العلاقات المثلية وقالوا عن مزايا الرجل إنه لا يبيض ولا يحيض ولا يطلب نفقة!.. لقد كان رحمه الله متطورًا يتواكب مع الأفكار الجديدة ويرحب دومًا بالأجيال الصاعدة، ومن ذلك علاقاته الوثيقة بمختلف الأجيال من الكتاب والصحفيين، بدءًا من يوسف القعيد، مرورًا بمحمد سلماوى، وصولًا إلى عبدالله السناوى.. كما كانت له في سنواته الأخيرة علاقة وثيقة بالإعلامى الشاب الأستاذ شريف عامر، وغيرهم عشرات بل مئات من مختلف الأجيال الذين كان هيكل يحرص على التحدث إليهم والحوار معهم، ولقد ألزم الأستاذ نفسه بقواعد صارمة في الطعام والشراب، فكان لا يأكل ليلًا، فلم أره ولو مرة يتناول طعام العشاء، فضلًا عن الحرص على ممارسة الرياضات اليومية والانتقال من مسكنه إلى مكتبه في ذات البناية وهو في كامل هيئته مستعدًا لاستقبال أي زائر.. وما أكثر زواره ومدركى مكانته من مريديه وتلاميذه، بل حتى أصدقائه الكبار الذين كانوا يفدون إلى القاهرة للتعرف على مستقبل بلادهم!، فقد قال له صديق جزائرى كبير إنه يزور القاهرة ليتعرف على مستقبل بلاده، فكل المشكلات والأزمات التي تمر بها مصر سوف تمر بها بلاده ولو بعد حين، ومازلت أتذكر وأنا دبلوماسى صغير في لندن كيف تقاطر الناس وتوافدوا على السفارة الجزائرية في يوم الاستقلال عندما علموا أن الأستاذ هيكل الذي كان يزور لندن حينذاك سوف يحضر لتهنئة صديقه السفير الأخضر إبراهيمى بتلك المناسبة، وليلتها سعى رجال الكتابة والصحافة وبارونات القلم والقرطاس لمصافحة الأستاذ هيكل والحديث معه. لقد كان الأستاذ ظاهرة متفردة في رؤيته البعيدة وشمولية نظرته للأمور والأحداث والوقائع، مع قدرة فريدة على التحليل، ويكفى أنه قد ترك تفسيرًا تاريخيًا رفيعًا قبيل وفاته لأزمة سد النهضة، وتاريخ الصراع مع مصر حول مياه النيل من العصور الوسطى.. وما أكثر ما صدقت نبوءاته، وصابت توقعاته ونظراته، وتحققت رؤيته!.. فلقد كان الأستاذ بعيد النظر، يتناول الأمور من جذورها ويحلل الأوضاع من بداياتها.. ورغم ذلك كله، عرف كيف يكون مجاملًا لأصدقائه وتلاميذه، وأتذكر الآن أنه حضر حفل زفاف ابنتيَّ وشارك في عزاء والديَّ، بل أرسل رسالة مكتوبة لزوجتى عند رحيل أبويها، وكانت تعينه في ذلك كله سيدة فاضلة هي من أرقى من عرفت من نساء مصر وأكثرهن وفاءً لزوجها حيًا أو ميتًا، وأعنى بها قرينة الأستاذ السيدة هدايت تيمور.

كما أتذكر أيضًا الكتاب القيّم الذي أصدره الإعلامى الكبير مفيد فوزى عن الأستاذ هيكل، الذي سمّاه بأحب الألقاب إليه «الجورنالجى»، وأتذكر بامتنان أن الأستاذ مفيد قد عهد إلىَّ بكتابة مقدمة ذلك الكتاب الذي يظل حتى الآن وثيقة أمينة في التأريخ لقامة كبيرة في عالم الصحافة محليًا ودوليًا.. وللحديث بقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مع الأستاذ هيكل 2 3 مع الأستاذ هيكل 2 3



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 15:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تغير المناخ المستمر يشكل خطرًا على التوازن البيئي للطيور

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر المطاعم العربية الحلال في جنيف

GMT 18:46 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

"سوني" تطرح بلاي ستيشن 4 في عدد من الدول

GMT 13:10 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق المؤتمر الدولي للحد من الزئبق

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار بسيطة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 23:13 2016 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

الإضاءة الداخلية عنوان في هوية المكان

GMT 20:50 2013 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إنفاق 237 مليار دولار سنويًا لدعم الطاقة في الشرق الأوسط

GMT 05:53 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إسطنبول مدينة رائعة تحضن كل الأمزجة التي تنبض بالحياة

GMT 09:41 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

بحث مشاريع الطاقة بين الأردن ومصر والعراق

GMT 19:07 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة بطلة فيلم "لوليتا"

GMT 03:55 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إشادة كبيرة من الجمهور المشارك في حفل "الماسة كابيتال".

GMT 01:26 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير تشيز كيك التفاح بطريقة سهلة وبسيطة

GMT 10:14 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

إخراج عنكبوت صغير مِن أعماق أذن امرأة فيتنامية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates