عماد الدين أديب
فى كتابه عن ذكرياته عن تجربته فى العالم العربى يقول الضابط الشهير «لورانس»: «إن العرب ليسوا بحاجة إلى عدو خارجى لأنهم لديهم دائماً حالة الصراع فيما بينهم».
ويضيف «لورانس»: «العدو الخارجى يوحدهم لذلك فإن أضعف حالات العرب حينما تختفى حالة تهديد العدو»!
وما لم يدركه أو يتوقعه «لورانس العرب» أن العالم العربى أصبح يستدعى العدو بسبب تدنى المشاعر الوطنية واختفاء حالة التضامن العربى فى ظل مجتمعات أصبح لها امتدادات خارجية، وأصبح الولاء لدولة أخرى يعلو الولاء لمشروع الوطن.
وأصبح ما كان يعرف فى الماضى بالعمالة للعدو أو لدولة أجنبية أمراً له تبريرات وتفسيرات حديثة مثل: الحركة العالمية لحقوق الإنسان، أو حركة التضامن من أجل الديمقراطية، أو مشروع الخلافة الإسلامية الذى يتجاوز الأوطان والحدود والدول كما استقرت حدودها وخرائطها عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية.
أصبح هناك تبرير وتفسير لتجاوز المشروع الوطنى ولاحترام سيادة الدولة المركزية ذات الاستقلال.
تم بيع الاستقلال الوطنى تحت لافتات كاذبة ذات بريق خداع.
وكما قال الشاعر العظيم عبدالرحمن الأبنودى: أصبحنا نعيش فى عالم فيه «آخر صيحة فى تركيب الطوق»!
نعم، إنها عبودية جديدة، وتبعية واضحة لشعار يبدو براقاً من الناحية السياسية والعاطفة الإنسانية أو العقيدة الدينية، لكنه فى حقيقته نوع من نزع فكرة ومبدأ الاستقلال الوطنى من أبناء الوطن.
وما يحزننى بشدة هو سقوط الكثير من خيرة شبابنا تحت تأثير هذه الشعارات إلى الحد الذى يجعلهم على استعداد لدفع أى ثمن دفاعاً عنها، بدءاً من دخول السجون إلى التحول إلى انتحاريين!
مهما تطور العالم، ومهما تقدم الفكر الإنسانى فإن فكرة الوطن ذى الحدود الجغرافية المستقرة هى أمر لا بديل عنه.
من الممكن أن تؤدى حركة المعلومات إلى انهيار سدود الثقافة الوطنية، وقد تؤدى حركة حرية التجارة ورؤوس الأموال العالمية إلى التأثير على الاقتصادات الوطنية، ولكن سيبقى هناك الوطن، وسيبقى هناك رجال يدافعون عن سيادته.