بقلم - عماد الدين أديب
هل أصبح الناس فى عالمنا العربى أكثر قسوة فى أحكامهم، ومعاييرهم، وتقديرهم لبعضهم البعض؟
إن التأمل العميق لمشاركات قطاعات مختلفة من الرأى العام العربى، من بلدات مختلفة، وتيارات مختلفة، وثقافات متباينة، وشرائح اجتماعية متعددة، يوضح أن العنصر المشترك الرئيسى الجامع لكل هؤلاء هو القبول الفورى لتصديق مساوئ ونصائح الآخرين، وعدم التسامح فى إصدار الأحكام على الغير.
ماذا يحدث هذه الأيام على «النت» أو بالأصح على «نتنا»؟
شرف أى امرأة هو أمر يسهل تلويثه وتصديق وتسويق الإساءة إليه، سمعة أى رجل أعمال تعتمد على أن الرأى العام يميل إلى أن كل صاحب مال هو فاسد بالضرورة حتى تثبت إدانته!
وطنية أى سياسى موضع تشكيك دائم، نوايا أى كاتب دائماً مطعون فيها، مساهمات أى فاعل خير، حتى لو كانت بالملايين، هى بالتأكيد «تمثيلية وتكنيك لخداع الرأى العام».
جعلنا من أنفسنا أفضل حكام لمباريات كرة القدم، وأعظم نقاد متخصصين للدراما، وأهم علماء فى الفيروسات، وأعظم خبراء فى الطهو والأناقة واللايف ستايل.
نحن خبراء -ما شاء الله- فى كل شىء، وأى شىء، ولدينا القدرة على إصدار الفتاوى فى الدين، وتحليل الرسوم البيانية للبورصات العالمية، وتقييم الأعمال الفنية، وتقديم النقد الفنى للبرامج التليفزيونية، ولا ينقصنا سوى إبداء الرأى المتخصص فى إجراء جراحات دقيقة فى شرايين المخ.
القسوة ابنة الجهل، والجهل ابن التخلف، والتخلف ابن الفساد، والفساد ابن الاستبداد، والاستبداد ابن التعليم الفاشل والتنشئة السالبة للخصوصية!
ما نراه على منصات التواصل الاجتماعى من جرائم اغتيال معنوى لأهم رموز، وأفضل قيم، وأبرز إنجازاتنا، هو يعبر عن جريمة متكاملة نحن فيها الفاعل والمفعول به وأداة الجريمة!
كلما جاءتنا فضيحة أو خبر مدسوس على «النت» سارعنا على الفور بالضغط على زر «الشير» كى يكون لنا سبق ترويجه وتسويقه، وكأن كلاً منا قد نصّب من نفسه وكالة أنباء لنشر الأخبار، أى أخبار، دون التأكد من أى حرف منها!
ما هذه القسوة فى التعريض بالناس والجهود وتزوير الحقائق؟
أيتها «النت» كم من الجرائم التى تُرتكب باسمك وباسم حرية تداول المعلومات، وحق الإنسان فى الاتصال والتواصل.
وإذا كنا نعانى هذه الأيام من فيروس غامض يداهمنا من خلال الهواء والأسطح الملساء، فنحن نعانى منذ سنوات من فيروس على منصات التواصل يمكن الانتصار عليه بسهولة إذا حكّمنا ضمائرنا!
باختصار لا تروج خبراً عن غيرك لا ترضى أن ينشره أحد عنك!
a