أعلى درجات الجهل هى ألا يدرك الإنسان أنه جاهل.
أن تجهل أنك جاهل مصيبة! وتعريف الجهل كمصطلح «هو أن تعتقد فى شىء عكس ما هو عليه»، وأن تعتقد وأنت جاهل، وتجهل أنك جاهل، بأن غيرك هو الجاهل فالمصيبة أعظم!
أنت لا تعلم حجم ما لا تعلم، ولا تدرك حجم ما لا تعرفه عن البشر، والأحداث، والكون، والبيزنس، والسياسة، والتاريخ، والفلك، والعلوم، والأديان وعلم النفس، والبحث العلمى، والكواكب الأخرى، والأنبياء والرسل والجنة والنار، والثقافات، واللغات والأذواق، والتذوق، والفنون، والعلم، والتعليم والثقافة، والحرب والسلام، والصحة والطعام، والسفر والسياحة والفنادق والترفيه، والعشق والحزن، والخوف والتقوى والانحراف، والعقل والجنون والصحة والمرض، وكل قوانين الفعل ورد الفعل الإنسانى!
ببساطة حجم ما نعرفه ضئيل شديد الضآلة، لذلك لا تعيش فى وهم أنك العارف، العالم، المتعلم، المثقف الأوحد والأكبر فى هذا الكون.
والجهل أنواع، بسيط، وكامل ومركب! الجهل البسيط هو فهم مسألة دون إحاطة كاملة، والكامل هو الجهل بالعلم بالمسألة، أما الجهل المركب وهو أسوأ أنواع الجهل، فهو الاعتقاد الجازم بما لا يتفق مع الحقيقة، وهو سلوك من لا يسلم بجهله!
تعامل مع الحياة بأنك جاهل يسعى دوماً إلى التعلم والاستفزاز حتى آخر لحظة فى حياتك، لأنك لو قضيت زمن كل أعمار البشر مجتمعين، من سيدنا آدم عليه السلام حتى آخر مخلوق مدرك قبل قيام الساعة، فإنك ستظل مجرد حصاة فى صحراء هذه الدنيا!
أهمية أن تعرف حجمك الحقيقى فى علوم هذا الكون هى مسألة المسائل، وقضية القضايا، ومحور المحاور الحاكمة فى تحديد علاقتنا بالخالق الأوحد وبقية المخلوقات والكائنات.
أنت مطلع، لكنك لست الـ«مطلع»، أنت عارف لكنك لست الـ«عارف»، أنت قوى لكنك لست الـ«قوى»، أنت عالم، لكنك لست الـ«عالم»، أنت عليم لكنك لست الـ«عليم».
فى حروف الكتابة قد تبدو المسألة أنها إضافة حرفى الألف واللام، لكنها فى واقع قانون الكون هى تحديد قطعى للعالم، العليم، العارف، المطلع المطلق الأوحد فى هذا الكون وهو الله.
سمة الجهلاء الأساسية هى «الكبر» و«التعالى» والتعالى على العلم والحقيقة.
ومن سمات الجهلاء أنهم يتكلمون أكثر مما يسمعون، ويؤمنون إيماناً جازماً أنهم يمتلكون ناصية الصواب الكامل والامتياز الحصرى للحقيقة المطلقة.
وأعظم ما قيل عن شخصية الجاهل هى قول سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام: «الجاهل يظلم من خالطه ويعتدى على من دونه، ويتطاول على من هو فوقه، ويتكلم بغير تمييز، وإن رأى كريمة أعرض عنها، وأن عرضت فتنة أردته وتهور فيها».
وكان أرسطو يردد عبارته الخالدة: من لم ينفعه العلم لم يأمن ضرر الجهل.
كم من الحضارات انهارت، وكم من الأنظمة سقطت، وكم من الثروات تبخرت، وكم من البشر قتلت أو تشردت، وكم من الأوطان ضاعت، وكم من الشركات أفلست بسبب مكابرة وعناد وغباء أصحاب قرار قرروا إدمان الجهل والجهالة والتجهيل!؟
هذه المسألة تعود وتهاجم عقلى ونفسى كلما قرأت على منصات التواصل الاجتماعى أحكاماً قطعية ونهائية فى مسائل عظمى تحتاج إلى مراكز بحثية أو مجالس علماء متخصصين حتى يدلوا بدلوهم فيها!
الجاهل نجده يصدر أحكاماً نهائية، قطعية، تعتمد على التعميم والتسطيح والتبسيط المخل!
الجاهل يعذبك بجهله، وهو يجهل ذلك، ويعتقد أنه يفيض عليك علماً كى ينقذك -أنت- من جهلك المطبق!
هنا يصدق قول الشاعر العربى الفصيح:
كدعواك كل يدعى صحة العقل.. ومن ذا الذى يدرى بما فيه من جهل!